اللَّيْثُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ".
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ النَّجَّارِيِّ (١)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، بِهِ (٢). وَقَالَ: إِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، مُرْسَلًا (٣).
﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) ﴾
(٢) سنن الترمذي برقم (٣١٧٠) وفيه "هذا حديث حسن صحيح" وأظنه خطأ.
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٦٥٤) وصحيح مسلم برقم (٨٧).
﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (٣١) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى: هَذَا الَّذِي أَمَرْنَا بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَمَا لِفَاعِلِهَا مِنَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ.
﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ أَيْ: وَمَنْ يَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ وَمَحَارِمَهُ وَيَكُونُ ارْتِكَابُهَا عَظِيمًا فِي نَفْسِهِ، ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ أَيْ: فَلَهُ عَلَى ذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَثَوَابٌ جَزِيلٌ، فَكَمَا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ ثَوَابٌ جَزِيلٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَ [اجْتِنَابِ] (١) الْمَحْظُورَاتِ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ قَالَ: الْحُرْمَةُ: مَكَّةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ كُلِّهَا. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ: أَحْلَلْنَا (٢) لَكُمْ جَمِيعَ الْأَنْعَامِ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ، وَلَا سَائِبَةٍ، وَلَا وَصِيلَةٍ، وَلَا حَامٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ: مِنْ تَحْرِيمِ ﴿الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ [إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ] (٣) ﴾ الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: ٣]، قَالَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَحَكَاهُ عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ :"مِنْ" هَاهُنَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ، أَيِ: اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ. وَقَرَنَ الشِّرْكَ بِاللَّهِ (٤) بِقَوْلِ الزُّورِ، كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٣٣]، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الزُّورِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ أَبِي بَكْرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ " قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ -وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ:-أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ، أَلَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ". فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سكت (٥).
(٢) في ت: "أحلت".
(٣) زيادة من ت، ف، أ.
(٤) في أ: "به".
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٦٥٤) وصحيح مسلم برقم (٨٧).