الْهَدْيَةُ أَوِ الْأُضْحِيَّةُ سَمِينَةً حَسَنَةً ثَمِينَةً، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَهْدَى عُمَرُ نَجيبًا، فَأُعْطِيَ بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَهْدَيْتُ نُجَيْبًا، فأعطِيتُ بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، أَفَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا بدْنًا؟ قَالَ: "لَا انحَرْهَا إِيَّاهَا" (١).
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْبُدْنُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُوسَى: الْوُقُوفُ وَمُزْدَلِفَةُ وَالْجِمَارُ وَالرَّمْيُ وَالْبُدْنُ وَالْحَلْقُ: مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْظَمُ الشَّعَائِرِ الْبَيْتُ.
قَوْلُهُ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ﴾ أَيْ: لَكُمْ فِي الْبُدْنِ مَنَافِعُ، مِنْ لَبَنِهَا، وَصُوفِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَرُكُوبِهَا.
﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ : قَالَ مِقْسَم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [فِي قَوْلِهِ] (٢) :﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ قَالَ: مَا لَمْ يُسَمَّ بُدْنًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾، قَالَ: الرُّكُوبُ وَاللَّبَنُ وَالْوَلَدُ، فَإِذَا سُمّيت بَدنَةً أَوْ هَديًا، ذَهَبَ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، [وَمُقَاتِلٌ] (٣) وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ هَدْيًا، إِذَا احْتَاجَ إِلَى ذَلِكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بدَنَةً، قَالَ: "ارْكَبْهَا". قَالَ: إِنَّهَا بَدنَة. قَالَ: "ارْكَبْهَا، وَيْحَكَ"، فِي الثَّانيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ (٤).
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا ألجئتَ إِلَيْهَا" (٥).
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الْأَعْمَى، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَذْف، عَنْ عَلِيٍّ؛ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً وَمَعَهَا وَلَدُهَا، فَقَالَ: لَا تَشْرَبْ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا مَا فَضُلَ عَنْ وَلَدِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَاذْبَحْهَا وولدَها.
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ أَيْ: مَحِل الْهَدْيِ وَانتِهَاؤُهُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَهُوَ الْكَعْبَةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٩٥]، وَقَالَ ﴿وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ﴾ [الْفَتْحِ: ٢٥].
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى "الْبَيْتِ الْعَتِيقِ" قَرِيبًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (٦).
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ، فَقَدْ حَلَّ، قَالَ اللَّهُ تعالى: ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾
(٢) زيادة من ت، ف، أ.
(٣) زيادة من ت، ف، أ.
(٤) صحيح البخاري برقم (١٦٩٠) وصحيح مسلم برقم (١٣٢٣).
(٥) صحيح مسلم برقم (١٣٢٣).
(٦) في ت: "والله أعلم".