وَأَحْسَنُ مَا يُفَسَّرُ بِمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أَيْ: خَافَتْ مِنْهُ قلوبُهم، ﴿وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ أَيْ: مِنَ الْمَصَائِبِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ لَتَصْبِرُنَّ أَوْ لَتَهْلِكُنَّ.
﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ﴾ : قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْإِضَافَةِ. السبعةَ، وبقيةَ الْعَشْرَةِ أَيْضًا. وَقَرَأَ ابْنُ (١) السَّمَيْقَع: "والمقيمينَ الصَّلَاةَ" بِالنَّصْبِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ﴾، وَإِنَّمَا حُذِفَتِ النُّونُ هَاهُنَا تَخْفِيفًا، وَلَوْ حُذِفَتْ لِلْإِضَافَةِ لَوَجَبَ خَفْضُ الصَّلَاةِ، وَلَكِنْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْفِيفِ فَنُصِبَتْ.
أَيِ: الْمُؤَدِّينَ حَقَّ اللَّهِ فِيمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ أَيْ: وَيُنْفِقُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ طَيِّبِ الرِّزْقِ عَلَى أَهْلِيهِمْ وَأَرِقَّائِهِمْ وَقُرَابَاتِهِمْ، وَفُقَرَائِهِمْ وَمَحَاوِيجِهِمْ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى خَلْقِ اللَّهِ مَعَ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ. وَهَذِهِ بِخِلَافِ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُمْ بِالْعَكْسِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ "بَرَاءَةٌ" [فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ] (٢) (٣).
﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ فِيمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنَ الْبُدْنِ، وَجَعَلَهَا مِنْ شَعَائِرِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَهَا تُهْدَى إِلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ، بَلْ هِيَ أَفْضَلُ مَا يُهْدَى [إِلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ] (٤)، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ [وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا] (٥) ﴾ الْآيَةَ: [الْمَائِدَةِ: ٢].
قَالَ ابْنُ جُرَيج: قَالَ عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، قَالَ: الْبَقَرَةُ، وَالْبَعِيرُ. وَكَذَا رُوي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّمَا الْبُدْنُ مِنَ الْإِبِلِ.
قُلْتُ: أَمَّا إِطْلَاقُ البَدَنة عَلَى الْبَعِيرِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ إِطْلَاقِ الْبَدَنَةِ عَلَى الْبَقَرَةِ، عَلَى قَوْلَيْنِ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا ذَلِكَ شَرْعًا كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ.
ثُمَّ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ تُجزئ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، كَمَا ثَبَتَ بِهِ الْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ، مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ [وَغَيْرِهِ] (٦)، قَالَ: أَمَرَنَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن نشتركَ في الأضاحي،
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) انظر تفسير الآية: ٦٧.
(٤) زيادة من أ.
(٥) زيادة من أ.
(٦) زيادة من أ.