قَالَ: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾، كَقَوْلِهِ ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الْفَاتِحَةِ: ٤] وَقَوْلُهُ: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾ [الْفَرْقَانِ: ٢٦].
﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ، وَصَدَّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَمِلُوا بِمُقْتَضَى مَا عَلِمُوا، وَتَوَافَقَ قُلُوبُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ (١).
﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾. أَيْ: لَهُمُ النَّعِيمُ الْمُقِيمُ، الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ وَلَا يَبِيدُ.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أَيْ: كَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ بِالْحَقِّ، وَجَحَدُوا بِهِ (٢) وَكَذَّبُوا بِهِ، وَخَالَفُوا الرُّسُلَ، وَاسْتَكْبَرُوا عَنِ اتِّبَاعِهِمْ ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ أَيْ: مُقَابَلَةُ اسْتِكْبَارِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ (٣) عَنِ الْحَقِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غَافِرٍ: ٦٠] أَيْ: صَاغِرِينَ.
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ﴾.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّنْ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ، وَطَلَبًا لِمَا عِنْدَهُ، وَتَرَكَ الْأَوْطَانَ وَالْأَهْلِينَ والخِلان، وَفَارَقَ بِلَادَهُ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَنُصْرَةً لِدِينِ اللَّهِ ﴿ثُمَّ قُتِلُوا﴾ أَيْ: فِي الْجِهَادِ ﴿أَوْ مَاتُوا﴾ أَيْ: حَتْفُ أَنْفِهِمْ (٤)، أَيْ: مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ عَلَى فُرُشِهِمْ، فَقَدْ حَصَلُوا عَلَى الْأَجْرِ الْجَزِيلِ، وَالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النِّسَاءِ: ١٠٠].
وَقَوْلُهُ: ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ أَيْ: ليُجْريَن عَلَيْهِمْ (٥) مِنْ فَضْلِهِ وَرِزْقِهِ مِنَ الْجَنَّةِ مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ﴾ أَيِ: الْجَنَّةَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٨٨، ٨٩] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ الرَّاحَةُ وَالرِّزْقُ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، كَمَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ﴾ أَيْ: بِمَنْ يُهَاجِرُ وَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، ﴿حَلِيمٌ﴾ أَيْ: يَحْلُمُ وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ لَهُمُ الذُّنُوبَ وَيُكَفِّرُهَا عَنْهُمْ بِهِجْرَتِهِمْ إِلَيْهِ، وَتَوَكُّلِهِمْ عَلَيْهِ. فَأَمَّا مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ مُهَاجِرٍ أَوْ غَيْرِ مُهَاجِرٍ، فَإِنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ رَبِّهِ يُرْزَقُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٩]، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ (٦) وَأَمَّا من تُوُفي
(٢) في أ: "وجحدته".
(٣) في أ: "وإبائهم".
(٤) في أ: "أنفسهم".
(٥) في أ: "ليجزيهم عليه".
(٦) في أ: "مر".