وَأَصْحَابِهِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَجْهَدُ أَنْ يُحَقِّرَ أَمْرَهُ وَيُصَغِّرَهُ عِنْدَهُ. قَالَ فِي هَذَا السِّيَاقِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَقُولَ عَلَيْهِ قَوْلًا أُسْقِطُهُ مِنْ عَيْنِهِ إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَكْذِبَ عِنْدَهُ كَذْبَةً يَأْخُذُهَا عَلَيَّ، وَلَا يُصَدِّقُنِي بِشَيْءٍ. قَالَ: حَتَّى ذَكَرْتُ قَوْلَهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْمَلَكُ، أَلَا أُخْبِرُكَ خَبَرًا تَعْرِفُ أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُ يَزْعُمُ لَنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَرْضِنَا -أَرْضِ الْحَرَمِ-فِي لَيْلَةٍ فَجَاءَ مَسْجِدَكُمْ هَذَا-مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ، وَرَجَعَ (١) إِلَيْنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَبْلَ الصَّبَاحِ. قَالَ: وبَطْرِيقُ إِيلِيَاءَ عِنْدَ رَأْسِ قَيْصَرَ، فَقَالَ: بَطْرِيق إِيلِيَاءَ: قَدْ عَلِمْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، قَالَ: فَنَظَرَ (٢) قَيْصَرُ، وَقَالَ: وَمَا عِلْمُكَ بِهَذَا؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ لَا أَنَامُ لَيْلَةً حَتَّى أُغْلِقَ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةُ أَغْلَقْتُ الْأَبْوَابَ كُلَّهَا غَيْرَ بَابٍ وَاحِدٍ غَلَبَنِي، فَاسْتَعَنْتُ عَلَيْهِ بِعُمَّالِي وَمَنْ يَحْضُرُنِي كُلِّهِمْ فَعَالَجْتُهُ فَغَلَبَنِي، فَلَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُحَرِّكَهُ، كَأَنَّمَا نُزَاوِلُ بِهِ جَبَلًا فَدَعَوْتُ إِلَيْهِ النَّجَاجِرَةَ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الْبَابَ سَقَطَ عَلَيْهِ النِّجَافُ وَالْبُنْيَانُ وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُحَرِّكَهُ حَتَّى نُصْبِحَ فَنَنْظُرَ مِنْ أَيْنَ أَتَى. قَالَ: فَرَجَعْتُ وَتَرَكْتُ الْبَابَيْنِ مَفْتُوحَيْنِ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا الْحَجَرُ الَّذِي فِي زَاوِيَةِ الْبَابِ (٣) مَثْقُوبٌ، وَإِذَا فِيهِ أَثَرُ مَرْبَطِ الدَّابَّةِ قَالَ: فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي: مَا حُبِسَ هَذَا الْبَابُ اللَّيْلَةَ إِلَّا عَلَى نَبِيٍّ، وَقَدْ صَلَّى اللَّيْلَةَ فِي مَسْجِدِنَا. وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (٤).
فَائِدَةٌ:
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْخَطَّابِ عُمَرُ بْنُ دَحْيَة فِي كِتَابِهِ "التَّنْوِيرُ فِي مَوْلِدِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ" وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَجَادَ وَأَفَادَ-ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ عَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيُّ [بْنُ أَبِي طَالِبٍ] (٥) وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْط، وَأَبِي حَبَّةَ وَأَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّيْنِ (٦)، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَجَابِرٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَبُرَيْدَةَ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُب، وَأَبِي الْحَمْرَاءِ، وَصُهَيْبٍ الرُّومِيِّ، وَأُمِّ هَانِئٍ، وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. مِنْهُمْ مَنْ سَاقَهُ بِطُولِهِ، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَصَرَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسَانِيدِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ (٧) رِوَايَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى شَرْطِ الصِّحَّةِ، فَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَاعْتَرَضَ فِيهِ الزَّنَادِقَةُ الْمُلْحِدُونَ (٨) ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصَّفِّ: ٨].
﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (٣) ﴾.
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (٩)، عَطَفَ بِذِكْرِ مُوسَى عبده
(٢) في ف، أ: "فنظر إليه".
(٣) في ف، هـ: "المسجد".
(٤) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/٢٢٤) وعزاه لأبي نعيم في الدلائل، ولم أجده في المطبوع من الدلائل.
(٥) زيادة من ف.
(٦) في ت، ف: "الأنصاري".
(٧) في ف: "يكن".
(٨) في ف: "والملحدون".
(٩) في ف: "صلى الله عليه وسلم".