وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمَسْرُوقٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ يَعْنِي: مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الضُّحَى، وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعِكْرِمَةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَلَى مَوَاقِيتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا.
وَقَدِ افْتَتَحَ اللَّهُ ذِكْرَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ بِالصَّلَاةِ، وَاخْتَتَمَهَا بِالصَّلَاةِ، فَدَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ" (١).
ولَما وَصَفَهم [اللَّهُ] (٢) تَعَالَى بِالْقِيَامِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ وَالْأَفْعَالِ الرَّشِيدَةِ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" (٣).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَان، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَإِنْ مَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ وَرثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنْزِلَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ (٤).
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنْ لَيْث، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ﴾ قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَلَهُ مَنْزِلَانِ: مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فيُبنَى بَيْتُهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، ويُهدّم بَيْتُهُ الَّذِي فِي النَّارِ (٥)، وَأَمَّا الْكَافِرُ فيُهْدَم بَيْتُهُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، ويُبنى بَيْتُهُ الَّذِي فِي النَّارِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر نَحْوَ ذَلِكَ.
فَالْمُؤْمِنُونَ يَرْثُونَ مَنَازِلَ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ [كُلَّهُمْ] (٦) خُلِقُوا لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى (٧)، فَلَمَّا قَامَ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِبَادَةِ، وترَكَ أُولَئِكَ مَا أمرُوا بِهِ مِمَّا خُلقوا لَهُ -أحرزَ هؤلاء نصيب
(٢) زيادة من ف، أ.
(٣) البخاري في صحيحه برقم (٢٧٩٠)، (٧٤٢٣) عن أبي هريرة، ولم يعزه صاحب التحفة إلى غير البخاري.
(٤) ورواه ابن ماجه في السنن برقم (٤٣٤١) عن أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن سنان، كلاهما عن أبي معاوية به. وقال البوصيري في الزوائد (٣/٣٢٧) :"هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين".
(٥) في ف، أ: "فيهدم بيته الذي في النار، ويبنى بيته الذي في الجنة".
(٦) زيادة من أ.
(٧) في ف، أ: "وحده لا شريك له".