﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ أَيْ: ثَقُلَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ، ﴿فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ أَيْ: خَابُوا وهلكوا، وباؤوا بِالصَّفْقَةِ (١) الْخَاسِرَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ المُحَبَّر، حَدَّثَنَا صَالِحٌ المُرِّيّ، عَنْ ثَابِتٍ البُناني وَجَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ وَمَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالْمِيزَانِ، فَيُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ، فَيُوقَفُ بَيْنَ كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ، فَإِنْ ثَقُلَ مِيزَانُهُ نَادَى مَلَكٌ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: سَعِدَ فُلَانٌ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، وَإِنْ خَفَّ مِيزَانُهُ نَادَى مَلَكٌ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: شَقِيَ فَلَانٌ شَقَاوَةً لَا (٢) يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا" (٣).
إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ دَاوُدَ بْنَ المُحَبَّر مَتْرُوكٌ.
وَلِهَذَا قَالَ: "فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ" أَيْ: مَاكِثُونَ، دَائِمُونَ مُقِيمُونَ لَا يَظْعَنُونَ.
﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٥٠]، وَقَالَ ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٩].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا فَرْوَة بْنُ أَبِي الْمِغْرَاءِ (٤)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَان ضِرَار بْنِ مُرَّة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَّا سِيقَ [إِلَيْهَا] (٥) أَهْلُهَا يَلْقَاهُمْ (٦) لَهَبُهَا، ثُمَّ تَلْفَحُهُمْ لَفْحَةً، فَلَمْ يَبْقَ لَحْمٌ إِلَّا سَقَطَ عَلَى الْعُرْقُوبِ". (٧)
وَقَالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الفَزَّاز، حَدَّثَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُونُسَ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَضِرِ القَطَّان، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ (٨) الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ قَالَ: "تَلْفَحُهُمْ لَفْحَةً، فَتَسِيلُ لُحُومُهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ" (٩).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي عَابِسُونَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: ﴿وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ﴾ قَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّأْسِ المُشَيَّط الَّذِي قَدْ بَدَا أَسْنَانُهُ وقَلَصت شَفَتَاهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْبَرْنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ -هُوَ ابن المبارك، رحمه
(٢) في ف: "فلا".
(٣) ورواه أبو نعيم في الحلية كما في تخريج الإحياء (٤٠٩٨) وقال: "تفرد به داود بن المحبر".
(٤) في أ: "أبي الفراء".
(٥) زيادة من ف.
(٦) في ف: "تلقيهم".
(٧) ورواه أبو نعيم في الحلية (٤/٣٦٣) وقال: "لم يروه مرفوعا متصلا عن أبي سنان عن عبد الله إلا محمد بن سليمان الأصبهاني، ورواه ابن عيينة وابن فضيل وجرير عن أبي سنان فأوقفه ابن فضيل على أبي هريرة".
(٨) في ف، أ: "سعيد بن أبي سعيد".
(٩) ورواه الضياء المقدسي في صفة النار كما في الدر المنثور (٦/١١٧) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.