ثُمَّ قَالَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ أَيْ: يَخْلُفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، يَتَعَاقَبَانِ لَا يَفْتُرَانِ. إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا، وَإِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ ذَاكَ (١)، كَمَا قَالَ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٣]، وَقَالَ ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٥٤] وَقَالَ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠].
وَقَوْلُهُ: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ (٢) أَيْ: جَعَلَهُمَا يَتَعَاقَبَانِ، تَوْقِيتًا لِعِبَادَةِ عِبَادِهِ لَهُ، فَمَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ فِي اللَّيْلِ اسْتَدْرَكَهُ فِي النَّهَارِ، وَمَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ فِي النَّهَارِ اسْتَدْرَكَهُ فِي اللَّيْلِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ" (٣).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو حُرّة (٤) عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَطَالَ صَلَاةَ الضُّحَى، فَقِيلَ لَهُ: صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ وِرْدِي شَيْءٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهُ -أَوْ قَالَ: أَقْضِيهِ -وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً [لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا] ﴾ (٥) (٦).
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً﴾ (٧) ] يَقُولُ: مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَعْمَلَهُ، أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ مِنَ النَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَالْحَسَنُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: ﴿خِلْفَة﴾ أَيْ: مُخْتَلِفَيْنِ، هَذَا بِسَوَادِهِ، وَهَذَا بِضِيَائِهِ.
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (٦٥) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (٦٧) ﴾. سب
هَذِهِ صِفَاتُ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا﴾ أَيْ: بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ جَبَرية وَلَا اسْتِكْبَارٍ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٣٧]. فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ يَمْشُونَ مِنْ غَيْرِ اسْتِكْبَارٍ وَلَا مرح، ولا أشر ولا بطر،

(١) في أ: "هذا".
(٢) في أ: "نشورا" وهو خطأ.
(٣) رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٧٥٩) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
(٤) في أ: "أبو حمزة".
(٥) زيادة من ف، أ.
(٦) وهذا منقطع، فالحسن لم يسمع من عمر.
(٧) زيادة من ف، أ.


الصفحة التالية
Icon