لَهُمْ فِي ذَلِكَ؛ لِيَجْتَمِعَ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَلِتَظْهَرَ آيَاتُ اللَّهِ وَحُجَجُهُ وَبَرَاهِينُهُ عَلَى النَّاسِ فِي النَّهَارِ جَهْرَةً.
﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) ﴾
﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (٤١) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (٤٦) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (٤٨) ﴾.
ذَكَرَ [اللَّهُ] (١) تَعَالَى هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ الْفِعْلِيَّةَ بَيْنَ مُوسَى وَالْقِبْطِ فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ" وَفِي "سُورَةِ طه" وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ: وَذَلِكَ أَنَّ الْقِبْطَ أَرَادُوا أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، فَأَبَى (٢) اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. وَهَذَا شَأْنُ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، مَا تَوَاجَهَا وَتَقَابَلَا إِلَّا غَلَبَهُ الْإِيمَانُ، ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٨]، ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٨١]، وَلِهَذَا لَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ، وَقَدْ جَمَعُوهُمْ مِنْ أَقَالِيمِ بِلَادِ مِصْرَ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ أَسْحَرَ النَّاسِ وَأَصْنَعَهُمْ وَأَشَدَّهُمْ تَخْيِيلًا فِي ذَلِكَ، وَكَانَ السَّحَرَةُ جَمْعًا كَثِيرًا، وَجَمًّا غَفِيرًا، قِيلَ: كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيلَ: تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ: ثَمَانِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَمْرُهُمْ رَاجِعًا إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ وَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ: وهم: ساتور وعازور (٣) وحطحط (٤) ويصقى.
وَاجْتَهَدَ (٥) النَّاسُ فِي الِاجْتِمَاعِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ: ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ] ﴾ (٦)، وَلَمْ يَقُولُوا: نَتَّبِعُ الْحَقَّ سَوَاءً كَانَ مِنَ السَّحَرَةِ أَوْ مِنْ مُوسَى، بَلِ الرَّعِيَّةُ عَلَى دِينِ مَلِكِهِمْ. ﴿فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ﴾ أَيْ: إِلَى مَجْلِسِ فِرْعَوْنَ وَقَدْ ضَرَبَ لَهُ وَطَاقًا، وَجَمَعَ حَشَمَهُ وَخَدَمَهُ [وَأُمَرَاءَهُ] (٧) وَوُزَرَاءَهُ وَرُؤَسَاءَ دَوْلَتِهِ وَجُنُودَ مَمْلَكَتِهِ، فَقَامَ السَّحَرَةُ بَيْنَ يَدِي فِرْعَوْنَ (٨) يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْإِحْسَانَ إِلَيْهِمْ وَالتَّقَرُّبَ إِلَيْهِ إِنْ غَلَبُوا، أَيْ: هَذَا الَّذِي جَمَعَتْنَا مِنْ أَجْلِهِ، فَقَالُوا: ﴿أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ أَيْ: وَأَخَصُّ مِمَّا تَطْلُبُونَ أَجْعَلُكُمْ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدِي وجلسائي. فعادوا إلى مقام المناظرة ﴿قَالُوا (٩) يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا﴾ [طه: ٦٥، ٦٦]، وَقَدِ اخْتُصِرَ هَذَا هَاهُنَا فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: ﴿أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾، وهذا كما يقوله
(٢) في ف، أ: "فيأبى".
(٣) في ف، أ: "وعادون".
(٤) في أ. "وحطحة".
(٥) في أ: "وحشر".
(٦) زيادة من ف.
(٧) زيادة من أ.
(٨) في ف، أ: "بين يديه".
(٩) في أ: "فقالوا" وهو خطأ.