لَمَّا طَالَ مُقام مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِبِلَادِ مِصْرَ، وَأَقَامَ بِهَا حُجَج اللَّهِ (١) وَبَرَاهِينَهُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُكَابِرُونَ وَيُعَانِدُونَ، لَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِلَّا الْعَذَابُ وَالنَّكَالُ، فَأَمَرَ اللَّهُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنْ يَخْرُجَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْلًا مِنْ مِصْرَ، وَأَنْ يَمْضِيَ بِهِمْ حَيْثُ يؤُمَر، فَفَعَلَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ. خَرَجَ بِهِمْ بَعْدَمَا اسْتَعَارُوا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ حُلِيًّا كَثِيرًا، وَكَانَ خُرُوجُهُ بِهِمْ، فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَقْتَ طُلُوعِ الْقَمَرِ. وَذَكَرَ مُجَاهِدٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ كُسِف الْقَمَرُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سَأَلَ عَنْ قَبْرِ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَدَلَّتْهُ امْرَأَةٌ عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَيْهِ، فَاحْتَمَلَ تَابُوتَهُ مَعَهُمْ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ بِنَفْسِهِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَكَانَ يُوسُفُ قَدْ أَوْصَى بِذَلِكَ إِذَا خَرَجَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنْ يَحْمِلُوهُ (٢) مَعَهُمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ:
حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (٣) بْنِ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ (٤) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (٥) بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْرَابِيٍّ فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَعَاهَدْنَا. فَأَتَاهُ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا حَاجَتُكَ؟ " قَالَ (٦) نَاقَةٌ بِرَحْلِهَا وَأَعْنُزٌ (٧) يَحْتَلِبُهَا أَهْلِي، فَقَالَ: "أَعْجَزْتَ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ " فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِنَّ مُوسَى لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسِيرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَضَلَّ الطَّرِيقَ، فَقَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ لَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ: نَحْنُ نحِّدثك أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ أَلَّا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ تَابُوتَهُ مَعَنَا، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: فَأَيُّكُمْ يَدْرِي أَيْنَ قَبْرُ يُوسُفَ؟ قَالُوا: مَا يَعْلَمُهُ إِلَّا عَجُوزٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَالَ (٨) لَهَا: دُلِّينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ. فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي. قَالَ لَهَا: وَمَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ (٩) : حُكْمِي أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ. فَكَأَنَّهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ: أَعْطِهَا حُكْمَهَا. قَالَ: فَانْطَلَقَتْ مَعَهُمْ إِلَى بُحَيْرَةٍ -مُسْتَنْقَعِ مَاءٍ -فَقَالَتْ لَهُمْ: أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ. فَلَمَّا أَنْضَبُوهُ قَالَتِ: احْتَفِرُوا، (١٠) فَلَمَّا احْتَفَرُوا اسْتَخْرَجُوا قَبْرَ يُوسُفَ، فَلَمَّا احْتَمَلُوهُ إِذَا الطَّرِيقُ مِثْلَ ضَوْءِ النهار (١١) ".
(٢) في أ: "يحتملوه".
(٣) في هـ: "عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان".
(٤) في هـ: "فضل" والمثبت من أ.
(٥) في أ: "يونس".
(٦) في ف، أ "فقال".
(٧) في أ: "وأعنق".
(٨) في أ: "وقال".
(٩) في أ: "قال".
(١٠) في أ: "احفروا".
(١١) ورواه أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ (١٣/٢٣٦) وَابْنُ حِبَّانَ فِي صحيحه برقم (٢٤٣٥) "موارد"، والحاكم في المستدرك (٢/٥٧١) من طريق محمد بن فُضَيْلٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أبي بردة عن أبي موسى به. وقال الهيثمي في المجمع (١٠/١٧٠) :"رجال أبي يعلى رجال الصحيح".