وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ: ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ قَالَ: هُوَ الْمُذَنَّبُ مِنَ الرُّطَبِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الَّذِي إِذَا كُبس (١) تَهَشَّمَ وَتَفَتَّتَ وَتَنَاثَرَ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْكَرِيمِ أَبَا أُمَيَّةَ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ قَالَ: حِينَ يطلعُ تَقْبِضُ عَلَيْهِ فتهضَمه، فَهُوَ مِنَ الرُّطَبِ الْهَضِيمِ، وَمِنَ الْيَابِسِ الْهَشِيمِ، تَقْبِضُ عَلَيْهِ فَتُهَشِّمُهُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وقَتَادَةُ، الْهَضِيمُ: الرَّطْبُ اللَّيِّنُ.
وَقَالَ الضَّحَاكُ: إِذَا كَثُرَ حِمْلُ الثَّمَرَةِ (٢)، وَرَكِبَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَهُوَ هَضِيمٌ.
وَقَالَ مُرَّةُ: هُوَ الطَّلْعُ حِينَ يَتَفَرَّقُ وَيَخْضَرُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا نَوَى لَهُ.
وَقَالَ أَبُو صَخْرٍ: مَا (٣) رَأَيْتُ الطلعَ حِينَ يُشق (٤) عَنْهُ الْكُمُّ، فَتَرَى الطَّلْعَ قَدْ لَصِقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَهُوَ الْهَضِيمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي: حَاذِقِينَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: شَرِهِينَ أَشِرِينَ (٥). وَهُوَ اخْتِيَارُ مُجَاهِدٍ وَجَمَاعَةٍ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ تِلْكَ الْبُيُوتَ الْمَنْحُوتَةَ فِي الْجِبَالِ أَشَرًا وَبَطَرًا وَعَبَثًا، مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى سُكْنَاهَا، وَكَانُوا حَاذِقِينَ (٦) مُتْقِنِينَ لِنَحْتِهَا وَنَقْشِهَا، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ مِنْ حَالِهِمْ لِمَنْ رَأَى مَنَازِلَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ أَيْ: أَقْبِلُوا عَلَى عَمَل مَا يَعُودُ نفُعه عَلَيْكُمْ (٧) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِنْ عِبَادَةِ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ لِتُوَحِّدُوهُ وَتَعْبُدُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
﴿وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ﴾ يَعْنِي: رُؤَسَاءَهُمْ وَكُبَرَاءَهُمْ، الدُّعَاةَ لَهُمْ إِلَى الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ، وَمُخَالَفَةِ الْحَقِّ.
﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ ثَمُودَ فِي جَوَابِهِمْ لِنَبِيِّهِمْ صَالِحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾. قَالَ مُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ: يَعْنُونَ مِنَ الْمَسْحُورِينَ.
وَرَوَى (٨) أَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ (٩) : يَعْنِي مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِمَا قَالَ الشَّاعِرُ (١٠) : فَإِنْ تَسْأَلِينَا: فِيمَ نَحْنُ ؟ فَإِنَّنَا
عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الأنام المسحر
(٢) في ف، أ: "حمل النخلة المثمرة".
(٣) في ف، أ: "أما".
(٤) في ف، أ: "يتشقق".
(٥) في ف: "أشرين شرهين".
(٦) في أ: "صادقين".
(٧) في ف، أ: "عليكم نفعه".
(٨) في ف: "وقال".
(٩) في ف، أ: "المسحورين".
(١٠) هو لبيد بن ربيعة، والبيت في ديوانه ص (٥٦) أ. هـ، مستفادا من ط. الشعب.