﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ وَأَرَادُوا مُعَارَضَتَهُ بِسِحْرِهِمْ فَغُلِبُوا [هُنَالِكَ] (١) ﴿وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾.
﴿وَجَحَدُوا بِهَا﴾ أَيْ: فِي ظَاهِرِ أَمْرِهِمْ، ﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ أَيْ: عَلِمُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهَا حَقٌّ (٢) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ جَحَدوها وَعَانَدُوهَا وَكَابَرُوهَا، ﴿ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ أَيْ: ظُلْمًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، سَجِيَّة مَلْعُونَةً، ﴿وَعُلُوًّا﴾ أَيِ: اسْتِكْبَارًا عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ أَيِ: انْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ كُفرهم (٣)، فِي إِهْلَاكِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَإِغْرَاقِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ فِي صَبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَفَحْوَى الْخِطَابِ يَقُولُ: احْذَرُوا أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ، الْجَاحِدُونَ لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ رَبِّهِ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (٤) أَشْرَفُ وَأَعْظَمُ مِنْ مُوسَى، وَبُرْهَانُهُ أَدَلُّ وَأَقْوَى مِنْ بُرْهَانِ مُوسَى، بِمَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الدَّلَائِلِ الْمُقْتَرِنَةِ بِوُجُودِهِ فِي نَفْسِهِ وَشَمَائِلِهِ، وَمَا سَبَقَهُ مِنَ الْبِشَارَاتِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِهِ، وَأَخْذِ الْمَوَاثِيقِ لَهُ، عَلَيْهِ (٥) مِنْ رَبِّهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) ﴾.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى عَبْدَيْهِ وَنَبِيَّيْهِ دَاوُدَ وَابْنِهِ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِمَا مِنَ اللَّهِ السَّلَامُ، مِنَ النِّعَمِ الْجَزِيلَةِ، وَالْمَوَاهِبِ الْجَلِيلَةِ، وَالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ، وَمَا جَمَعَ لَهُمَا بَيْنَ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُلْكِ وَالتَّمْكِينِ التَّامِّ فِي الدُّنْيَا، وَالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ فِي الدِّينِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ تَمَّامٍ (٦) : أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْعِمْ عَلَى عَبد نِعْمَةً فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَيْهَا، إِلَّا كَانَ حَمْدُه أَفْضَلَ مِنْ نِعْمَتِهِ (٧)، لَوْ كُنْتَ لَا تَعْرِفُ ذَلِكَ إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وَأَيُّ نِعْمَةٍ أَفْضَلُ مما أوتي داود
(٢) في ف، أ: "صدق".
(٣) في ف، أ: "أمرهم".
(٤) في ف: "صلى الله عليه وسلم".
(٥) في ف: "عليهم".
(٦) في ف: "هشام".
(٧) في ف: "نعمه".