فَقَالَ لَهَا سُلَيْمَانُ: اقْبِضِي جَنَاحًا جَنَاحًا" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ فَعَلَتِ الطَّيْرُ؟ فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ المضرَحية (١) (٢).
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الجَوْزيّ: المَضْرَحيّة (٣) النُّسُورُ الحُمر.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أَيْ: وَجُمِعَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ يَعْنِي: رَكِبَ فِيهِمْ فِي أُبَّهَةٍ وَعَظَمَةٍ (٤) كَبِيرَةٍ فِي الْإِنْسِ، وَكَانُوا هُمُ الَّذِينَ يَلُونَهُ، وَالْجِنُّ وَهُمْ بَعْدَهُمْ [يَكُونُونَ] (٥) فِي الْمَنْزِلَةِ، وَالطَّيْرُ وَمَنْزِلَتُهَا فَوْقَ رَأْسِهِ، فإن كان حرًّا أَظَلَّتْهُ مِنْهُ بِأَجْنِحَتِهَا.
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أَيْ: يَكُفُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ؛ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ عَنْ مَنْزِلَتِهِ الَّتِي هِيَ مَرْتَبَةٌ لَهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: جَعَلَ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ وَزَعَةً، يَرُدُّونَ أُولَاهَا عَلَى أُخْرَاهَا، لِئَلَّا يَتَقَدَّمُوا فِي الْمَسِيرِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُلُوكُ الْيَوْمَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ﴾ أَيْ: حَتَّى إِذَا مَرَّ سُلَيْمَانُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُيُوشِ وَالْجُنُودِ عَلَى وَادِي النَّمْلِ، ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
أَوْرَدَ (٦) ابْنُ عَسَاكِرَ، مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ اسْمَ هَذِهِ النَّمْلَةِ حَرَسُ، وَأَنَّهَا مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو الشَّيْصَانِ، وَأَنَّهَا كَانَتْ عَرْجَاءُ، وَكَانَتْ بِقَدْرِ الذِّيبِ (٧).
أَيْ: خَافَتْ عَلَى النَّمْلِ أَنْ تَحْطِمَهَا (٨) الْخُيُولُ بِحَوَافِرِهَا، فَأَمَرَتْهُمْ بِالدُّخُولِ إِلَى مَسَاكِنِهَا (٩) فَفَهِمَ ذَلِكَ سُلَيْمَانُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْهَا (١٠).
﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ أَيْ: أَلْهِمْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي مَنَنْتَ بِهَا عَلَيَّ، مِنْ تَعْلِيمِي مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ، وَعَلَى وَالِدَيَّ بِالْإِسْلَامِ لَكَ، وَالْإِيمَانِ بِكَ، ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ أَيْ: عَمَلًا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ أَيْ: إِذَا تَوَفَّيْتَنِي فَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكَ، وَالرَّفِيقِ الْأَعْلَى مِنْ أَوْلِيَائِكَ.
وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ هَذَا الْوَادِيَ كَانَ بِأَرْضِ الشَّامِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَإِنَّ هَذِهِ النَّمْلَةَ كَانَتْ ذَاتَ جَنَاحَيْنِ كَالذُّبَابِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ من الأقاويل، فلا حاصل لها.
(٢) المسند (٢/٤١٩) وقال الهيثمي في المجمع (٨/٢٠٦) "فيه المطلب بن عبد الله بن حنطب وثقه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح".
(٣) في هـ، ف، أ: "المصرحية" والمثبت من لسان العرب، مادة "ضرح".
(٤) في ف: "عظيمة".
(٥) زيادة من ف.
(٦) في ف، أ: "فأورد".
(٧) في ف: "الذئب".
(٨) في ف: "يحطمها".
(٩) في ف: "مساكنهم".
(١٠) في ف: "عنها".