وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ أَيْ: هُوَ الْمَدْعُوُّ اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ.
وَلَمَّا كَانَ الْهُدْهُدُ دَاعِيًا إِلَى الْخَيْرِ، وَعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ وَالسُّجُودِ لَهُ، نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ والصُّرَد. وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (١).
﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (٢٨) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) ﴾.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قِيلِ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِلْهُدْهُدِ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَهْلِ سَبَأٍ وَمَلِكَتِهِمْ: ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أَيْ: أَصْدَقْتَ (٢) فِي إِخْبَارِكَ هَذَا، ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فِي مَقَالَتِكَ، فَتَتَخَلَّصَ (٣) مِنَ الْوَعِيدِ الَّذِي أَوْعَدْتُكَ؟.
﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِه إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ : وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَتَبَ كِتَابًا إِلَى بِلْقِيسَ وَقَوْمِهَا. وَأَعْطَاهُ لِذَلِكَ الْهُدْهُدِ فَحَمَلَهُ، قِيلَ: فِي جَنَاحِهِ كَمَا هِيَ عَادَةُ الطَّيْرُ، وَقِيلَ: بِمِنْقَارِهِ. وَذَهَبَ إِلَى بِلَادِهِمْ فَجَاءَ إِلَى قَصْرِ بِلْقِيسَ، إِلَى الْخَلْوَةِ الَّتِي كَانَتْ تَخْتَلِي فِيهَا بِنَفْسِهَا، فَأَلْقَاهُ إِلَيْهَا مِنْ كُوّة هُنَالِكَ (٤) بَيْنَ يَدَيْهَا، ثُمَّ تَوَلَّى نَاحِيَةً أَدَبًا وَرِيَاسَةً، فَتَحَيَّرَتْ مِمَّا رَأَتْ، وَهَالَهَا ذَلِكَ، ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَى الْكِتَابِ فَأَخَذَتْهُ، فَفَتَحَتْ خَتْمَهُ وَقَرَأَتْهُ، فَإِذَا فِيهِ: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فَجَمَعَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أُمَرَاءَهَا وَوُزَرَاءَهَا وَكُبَرَاءَ دَوْلَتِهَا وَمَمْلَكَتِهَا، ثُمَّ قَالَتْ لَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ تَعْنِي بِكَرَمِهِ: مَا رَأَتْهُ مِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ، كَوْنُ طَائِرٍ أَتَى بِهِ (٥) فَأَلْقَاهُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهَا أَدَبًا. وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُلُوكِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَرَأَتْهُ عَلَيْهِمْ.
﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾. فَعَرَفُوا أَنَّهُ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ، وَأَنَّهُ لَا قبَل لَهُمْ بِهِ. وَهَذَا الْكِتَابُ فِي غَايَةِ الْبَلَاغَةِ وَالْوَجَازَةِ وَالْفَصَاحَةِ، فَإِنَّهُ حَصّل الْمَعْنَى بِأَيْسَرِ عِبَارَةٍ وَأَحْسَنِهَا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَمْ يَكْتُبْ أَحَدٌ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَبْلَ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا فِي تَفْسِيرِهِ، حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الْفَضْلِ (٦) أَبُو يَعْلَى الْحَنَّاطُ (٧)، حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَالِحٍ، [عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ] (٨) أَبِي أُمَيَّةَ، عَنِ ابْنِ بُرَيدة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنِّي أَعْلَمُ آية لم

(١) لم أجده من حديث أبي هريرة إلا عند ابن ماجه في السنن برقم (٣٢٢٣) بلفظ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد". وهو بهذا اللفظ من حديث ابن عباس في مسند الإمام أحمد (١/٣٣٢) وسنن أبي داود برقم (٥٢٦٧) وسنن ابن ماجه برقم (٣٢٢٤).
(٢) في ف: "صدقت".
(٣) في ف: "لتتخلص".
(٤) في ف، أ: "هناك".
(٥) في ف، أ: "جاء به".
(٦) في أ: "المفضل".
(٧) في ف، أ: "الخياط".
(٨) زيادة من ف، أ.


الصفحة التالية
Icon