وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: لَمَّا عَقَرُوا النَّاقَةَ وَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هُودٍ: ٦٥]، قَالُوا: زَعَمَ صَالِحٌ أَنَّهُ يُفْرُغُ مِنَّا إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَنَحْنُ نَفْرُغُ مِنْهُ وَأَهْلِهِ قَبْلَ ثَلَاثٍ. وَكَانَ لِصَالِحٍ مَسْجِدٌ فِي الحجْر عِنْدَ شِعْبٍ هُنَاكَ يُصَلِّي فِيهِ، فَخَرَجُوا إِلَى كَهْفٍ، أَيْ: غَارٍ هُنَاكَ لَيْلًا فَقَالُوا: إِذَا جَاءَ يُصَلِّي قَتَلْنَاهُ (١)، ثُمَّ رَجَعْنَا إِذَا فَرَغْنَا مِنْهُ إِلَى أَهْلِهِ، فَفَرَغْنَا مِنْهُمْ. فَبَعَثَ اللَّهُ صَخْرَةً مِنَ الهضَب حِيَالَهُمْ، فَخَشُوا أَنْ تَشْدَخَهُمْ فَتَبَادَرُوا (٢) فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْغَارِ، فَلَا يَدْرِي قَوْمُهُمْ أَيْنَ هُمْ، وَلَا يَدْرُونَ مَا فُعِلَ بِقَوْمِهِمْ. فَعَذَّبَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ هَاهُنَا، وَهَؤُلَاءِ هَاهُنَا، وَأَنْجَى اللَّهُ صَالِحًا وَمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً﴾ أَيْ: فَارِغَةً لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ ﴿بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) ﴾
(٢) في ف، أ: "فبادروا".
﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨) ﴾.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ أَنْذَرَ قَوْمَهُ نِقْمَةَ اللَّهِ بِهِمْ، فِي فِعْلِهِمُ الْفَاحِشَةَ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْهُمْ إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَهِيَ إِتْيَانُ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَذَلِكَ فَاحِشَةٌ عَظِيمَةٌ، اسْتَغْنَى الرِّجَالُ بِالرِّجَالِ، وَالنِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ -قَالَ (١) ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ أَيْ: يَرَى بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ؟
﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أَيْ: لَا تَعْرِفُونَ شَيْئًا لَا طَبْعًا وَلَا شَرْعًا، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١٦٥، ١٦٦].
﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ أَيْ: يَتَحَرَّجُونَ (٢) مِنْ فِعْلِ مَا تَفْعَلُونَهُ، وَمِنْ إِقْرَارِكُمْ عَلَى صَنِيعِكُمْ، فَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَصْلُحُونَ لِمُجَاوَرَتِكُمْ فِي بِلَادِكُمْ. فَعَزَمُوا عَلَى ذَلِكَ، فَدَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ أَيْ: مِنَ الْهَالِكِينَ مَعَ قَوْمِهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ رِدْءًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، وَعَلَى طَرِيقَتِهِمْ فِي رِضَاهَا بِأَفْعَالِهِمُ الْقَبِيحَةِ، فَكَانَتْ (٣) تَدُلُّ قَوْمَهَا عَلَى ضِيفَانِ لُوطٍ، لِيَأْتُوا إِلَيْهِمْ، لَا أَنَّهَا كَانَتْ تَفْعَلُ الْفَوَاحِشَ (٤) تَكْرِمَةً لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٥) لَا كَرَامَةً لها (٦).
(٢) في أ: "يخرجون".
(٣) في ف: "وكانت".
(٤) في أ: "الفاحشة".
(٥) في ف: "صلوات الله عليه وسلامه".
(٦) في أ: "بها".