حَرَجَ عَلَيَّ مَعَ أَنَّ الْكَامِلَ -وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ فَاضِلٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ. كَمَا قَالَ [اللَّهُ] (١) تَعَالَى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٠٣].
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، وَسَأَلَهُ عَنِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ -فَقَالَ: "إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ" (٢) مَعَ أَنَّ فِعْلَ الصِّيَامِ رَاجِحٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ.
هَذَا وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّمَا فَعَلَ أَكْمَلَ الْأَجَلَيْنِ وَأَتَمَّهُمَا؛ قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مَرْوان بْنُ شُجاع، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مَنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْر الْعَرَبِ فأسأَلَه. فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ إِذَا قَالَ فَعَلَ. هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (٣) وَهَكَذَا رَوَاهُ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَوَقَعَ فِي "حَدِيثِ الفُتُون"، مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ. وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ رُوي مِنْ (٤) حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَأَلْتُ جِبْرِيلَ: أَيَّ الْأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى قَالَ: أَكْمَلَهُمَا وَأَتَمَّهُمَا" (٥).
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ -وَهُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ -حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ -وَكَانَ مِنْ أَسْنَانِي أَوْ أَصْغَرَ مِنِّي -فَذَكَرَهُ.
قُلْتُ: وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ.
وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبَانٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ. ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (٦).
وَقَالَ (٧) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُرئ عَلَى يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنْبَأَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْمُونٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ تَيْرَحَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سئل: أيّ

(١) زيادة من ف، أ.
(٢) رواه أحمد في مسنده (٣/٤٩٣) والنسائي في السنن (٤/١٨٥).
(٣) صحيح البخاري برقم (٢٦٨٤).
(٤) في ت: "روى طرق مرسلة من".
(٥) تفسير الطبري (٢٠/٤٤).
(٦) قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (١/١٢٤) "إبراهيم بن يحيى العدني عن الحكم بن أبان وعنه سفيان بن عيينة بخبر منكر والرجل نكرة، وحديثه عن الحميدي ومتنه: سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أي الأجلين قضى موسى، انتهى. وهذا الرجل ذكره ابن حبان في الثقات. وقال الأزدي: لا يتابع في حديثه، وأخرج الحاكم حديثه المذكور في المستدرك".
(٧) في ف: "ثم قال".


الصفحة التالية
Icon