وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ قَارُونَ كَانَ يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ، فَدَعَا اللَّهَ بِهِ، فَتَمَوَّلَ بِسَبَبِهِ. وَالصَّحِيحُ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى -رَادًّا عَلَيْهِ فِيمَا ادَّعَاهُ مِنَ اعْتِنَاءِ اللَّهِ بِهِ فِيمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْمَالِ ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ أَيْ: قَدْ كَانَ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ مَالًا وَمَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ مَحَبَّةٍ مِنَّا لَهُ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ مَعَ ذَلِكَ بِكَفْرِهِمْ وَعَدَمِ شُكْرِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ أَيْ: لِكَثْرَةِ ذُنُوبِهِمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: ﴿عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ : عَلَى خَيْرٍ عِنْدِي.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَلَى عِلْمٍ أَنِّي أَهْلٌ لِذَلِكَ.
وَقَدْ أَجَادَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ قَالَ: لَوْلَا رِضَا اللَّهِ عَنِّي، وَمَعْرِفَتُهُ بِفَضْلِي مَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَالَ، وَقَرَأَ ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [وَهَكَذَا يَقُولُ مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ إِذَا رَأَى مَنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَقُولُ: لَوْلَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لَمَا أُعْطِيَ] (١).
﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ (٨٠) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قَارُونَ: إِنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَةٍ عَظِيمَةٍ، وَتَجَمُّلٍ بَاهِرٍ، مِنْ مَرَاكِبَ وَمَلَابِسَ عَلَيْهِ وَعَلَى خَدَمِهِ وَحَشَمِهِ، فَلَمَّا رَآهُ مَنْ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَيَمِيلُ إِلَى زُخرفها وَزِينَتِهَا، تَمَنَّوْا أَنْ لَوْ كَانَ لَهُمْ مِثْلُ الَّذِي أُعْطِيَ، قَالُوا: ﴿يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أَيْ: ذُو حَظٍّ وَافِرٍ مِنَ الدُّنْيَا. فَلَمَّا سَمِعَ مَقَالَتَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ النَّافِعِ قَالُوا لَهُمْ: ﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ أَيْ: جَزَاءُ اللَّهِ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا تَرَوْنَ.
[كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خطر عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (٢) [السَّجْدَةِ: ١٧] (٣).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ﴾ : قَالَ السُّدِّيُّ: وَمَا يُلَقَّى الْجَنَّةَ (٤) إِلَّا الصَّابِرُونَ. كَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ كَلَامِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَمَا يُلَقَّى (٥) هَذِهِ الْكَلِمَةَ إِلَّا الصَّابِرُونَ عَنْ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا، الرَّاغِبُونَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَكَأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ مَقْطُوعًا مِنْ كَلَامِ أُولَئِكَ، وَجَعَلَهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ.
﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (٨٢) ﴾

(١) زيادة من ت، ف، أ.
(٢) زيادة من ت، ف، أ.
(٣) صحيح مسلم برقم (٢٨٢٤).
(٤) في أ: "وما يلقاها أي الجنة".
(٥) في أ: "وما يلقاها".


الصفحة التالية
Icon