وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانًا مُجْمَلًا مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُنْزَلًا لَا مُبَدَّلًا وَلَا مُؤَوَّلًا.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَر، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (١)، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكتاب (٢) يقرؤون التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ". وَهَذَا الْحَدِيثُ تفرَّد (٣) بِهِ الْبُخَارِيُّ (٤).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَر، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ (٥) أَنَّ أَبَا نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجِنَازَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُ أَعْلَمُ". قَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهَا تَتَكَلَّمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ (٦) تُكَذِّبُوهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ (٧) تُصَدِّقُوهُمْ" (٨)
قَلَّتْ: وَأَبُو نَمْلَةَ هَذَا هُوَ: عُمَارة. وَقِيلَ: عَمَّارٌ. وَقِيلَ: عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ زُرَارة الْأَنْصَارِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ثُمَّ لِيُعْلَمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُحدّثون بِهِ غالبُه كَذِبٌ وَبُهْتَانٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ تَحْرِيفٌ وَتَبْدِيلٌ وَتَغْيِيرٌ وَتَأْوِيلٌ، وَمَا أَقَلَّ الصِّدْقَ فِيهِ، ثُمَّ مَا أَقَلَّ فَائِدَةَ كَثِيرٍ مِنْهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حُرَيْث (٩) بْنِ ظُهَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ -قَالَ: لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا وَفِي قَلْبِهِ تَالِيَةٌ، تَدْعُوهُ إِلَى دِينِهِ كَتَالِيَةِ الْمَالِ (١٠).
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ (١١) حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (١٢)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أحدث (١٣) تقرؤونه مَحْضًا لَمْ يُشَب، وَقَدْ حدَثَكم أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بدَّلوا كِتَابَ اللَّهِ، وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ، وَقَالُوا: هُوَ (١٤) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا؟ أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ (١٥) مَسْأَلَتِهِمْ؟ لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عليكم (١٦).
(٢) في هـ، ت، ف: "كان أهل التوراة" والمثبت من البخاري.
(٣) في ت: "انفرد".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٤٨٥، ٧٣٦٢).
(٥) في ت: "روى الإمام أحمد بإسناده".
(٦) في ت: "فلا".
(٧) في ت: "فلا".
(٨) المسند (٤/١٣٦).
(٩) في أ: "حرب".
(١٠) تفسير الطبري (٢١/٤).
(١١) في أ: "سليمان".
(١٢) في ت: "روى البخاري بإسناده".
(١٣) في ت: "أحدث الكتب".
(١٤) في ف، أ: "وقالوا: هذا هو".
(١٥) في ف: "من".
(١٦) صحيح البخاري برقم (٧٣٦٣).