حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا حُمَيْد الْخَرَّاطُ، عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ قَالَ: الْغِنَاءُ (١).
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وعِكْرِمة، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَمُجَاهِدٌ، وَمَكْحُولٌ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَعَلِيُّ بْنُ بَذيمة.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أُنْزِلَتْ هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ فِي الْغِنَاءِ وَالْمَزَامِيرِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ : وَاللَّهِ لَعَلَّهُ لَا يُنْفِقُ فِيهِ مَالًا ولكنْ شِرَاؤُهُ اسْتِحْبَابُهُ، بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الضَّلَالَةِ أَنْ يختارَ حديثَ الْبَاطِلِ عَلَى حَدِيثِ الْحَقِّ، وَمَا يَضُرُّ عَلَى مَا يَنْفَعُ.
وَقِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ : اشْتِرَاءَ الْمُغَنِّيَاتِ مِنَ الْجَوَارِي.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأحْمَسي: حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ خَلاد الصَّفَّارِ، عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ زَحْر، عَنْ عَلِيِّ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (٢) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَحُلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلَا شِرَاؤُهُنَّ، وَأَكْلُ أَثْمَانِهِنَّ حَرَامٌ، وَفِيهِنَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيّ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ عُبَيد اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ بِنَحْوِهِ (٣)، ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وضَعُفَ (٤) عَلِيَّ بْنَ يَزِيدَ الْمَذْكُورَ.
قُلْتُ: عَلِيٌّ، وَشَيْخُهُ، وَالرَّاوِي عَنْهُ، كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ يَعْنِي: الشِّرْكُ. وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ؛ وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُ كُلُّ كَلَامٍ يَصُدُّ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَيْ: إِنَّمَا يَصْنَعُ هَذَا لِلتَّخَالُفِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ.
وَعَلَى قِرَاءَةِ فَتْحِ الْيَاءِ، تَكُونُ اللَّامُ لَامَ الْعَاقِبَةِ، أَوْ تَعْلِيلًا لِلْأَمْرِ الْقَدَرِيِّ، أَيْ: قُيضوا لِذَلِكَ لِيَكُونُوا كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَيَتَّخِذُ سَبِيلَ اللَّهِ هُزُوًا، يَسْتَهْزِئُ بِهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: وَيَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ هَزُّوا. وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ أَيْ: كَمَا اسْتَهَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَسَبِيلِهِ، أُهِينُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَذَابِ الدَّائِمِ المستمر.
(٢) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
(٣) سنن الترمذي برقم (٣١٩٥) وتفسير الطبري (٢١/٤٠).
(٤) في ت: "وفي إسناده"