وَأَلْوَانِهَا إِلَّا الَّذِي خَلَقَهَا.
وَلَمَّا قَرَّرَ أَنَّهُ الْخَالِقُ نَبَّهْ عَلَى أَنَّهُ الرَّازِقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ أَيْ: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مِنَ النَّبَاتِ كَرِيمٍ، أَيْ: حَسَنِ الْمَنْظَرِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَالنَّاسُ -أَيْضًا -مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَهُوَ كَرِيمٌ، ومَنْ دَخَلَ النَّارَ فَهُوَ لَئِيمٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ أَيْ: هذا الذي ذكره تعالى من خلق السموات، وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، صَادِرٌ عَنْ فِعْلِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ أَيْ: مِمَّا تَعْبُدُونَ وَتَدْعُونَ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْعَابِدِينَ مَعَهُ غَيْرَهُ ﴿فِي ضَلالٍ﴾ أَيْ: جَهْلٍ وَعَمًى، ﴿مُبِينٍ﴾ أَيْ: وَاضِحٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ به.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) ﴾.
اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي لُقْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَلْ كَانَ نَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا صَالِحًا مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، الْأَكْثَرُونَ عَلَى الثَّانِي.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: مَا انْتَهَى إِلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِ لُقْمَانَ؟ قَالَ: كَانَ قَصِيرًا أَفْطَسَ مِنَ النُّوبَةِ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ لُقْمَانُ مِنْ سُودَانِ مِصْرَ، ذَا مَشَافِرَ، أَعْطَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ وَمَنَعَهُ النُّبُوَّةَ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلة قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَا تَحْزَنْ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ أَسْوَدَ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَخْيَرِ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ مِنَ السُّودَانِ: بِلَالٌ، ومهْجَع مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلُقْمَانُ الْحَكِيمُ، كَانَ أَسْوَدَ نُوبِيًّا ذَا مَشَافِرَ (١).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ (٢)، عَنْ خَالِدٍ الرَّبَعِيّ قَالَ: كَانَ لُقْمَانُ عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا، فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: اذْبَحْ لَنَا هَذِهِ الشَّاةِ. فَذَبَحَهَا، فَقَالَ: أخْرجْ أَطْيَبَ مُضغتين فِيهَا. فَأَخْرَجَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: اذْبَحْ لَنَا هَذِهِ الشَّاةَ. فَذَبَحَهَا، فَقَالَ: أَخْرِجْ أَخْبَثَ مُضْغَتَيْنِ فِيهَا. فَأَخْرَجَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تخرج أطيب

(١) تفسير الطبري (٢١/٤٣).
(٢) في أ: "الأشعث".


الصفحة التالية
Icon