وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيِّ، عَنْ صَاعِدٍ الْحَرَّانِيِّ -وَعَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ -كِلَاهُمَا عَنْ زُهَيْرٍ، وَهُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرٍ، بِهِ. (١)
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، ضُرب لَهُ مَثَلٌ، يَقُولُ: لَيْسَ ابْنُ رَجُلٍ آخَرَ ابْنَكَ (٢).
وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قدَّمناه مِنَ التَّفْسِيرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ : هَذَا أَمْرٌ نَاسِخٌ لِمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَوَازِ ادِّعَاءِ الْأَبْنَاءِ الْأَجَانِبِ، وَهُمُ الْأَدْعِيَاءُ، فَأَمَرَ [اللَّهُ] (٣) تَعَالَى بِرَدِّ نِسَبِهِمْ إِلَى آبَائِهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا مُعَلى (٤) بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ زيدًا بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، بِهِ (٥).
وَقَدْ كَانُوا يُعَامِلُونَهُمْ مُعَامَلَةَ الْأَبْنَاءِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فِي الْخَلْوَةِ بِالْمَحَارِمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا (٦) نَدْعُو سَالِمًا ابْنًا، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ مَا أَنْزَلَ، وَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيّ، وَإِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرَضِعَيْهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ" الْحَدِيثَ. (٧)
وَلِهَذَا لَمَّا نُسِخَ هَذَا الْحُكْمُ، أَبَاحَ تَعَالَى زَوْجَةَ الدَّعِيِّ، وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجَةِ (٨) زيد بن حارثة، وقال: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٣٧]، وَقَالَ فِي آية التحريم: ﴿وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ﴾ [النِّسَاءِ: ٢٣]، احْتِرَازًا عَنْ زَوْجَةِ الدَّعِيِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الصُّلْبِ، فَأَمَّا الِابْنُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَمُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ ابْنِ الصُّلْبِ شَرْعًا، بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (٩) فِي الصَّحِيحَيْنِ: "حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ" (١٠). فَأَمَّا دَعْوَةُ الْغَيْرِ ابْنًا عَلَى سَبِيلِ التَّكْرِيمِ وَالتَّحْبِيبِ، فَلَيْسَ مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سفيان الثوري، عن سلمة بن كُهَيْل،
(٢) تفسير عبد الرزاق (٢/٩٢).
(٣) زيادة من ت، ف، أ.
(٤) في ف: "يعلى".
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٧٨٢) وصحيح مسلم برقم (٢٤٢٥) وسنن الترمذي برقم (٣٢٠٩) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٩٧).
(٦) في ت، ف، أ "إنا كنا".
(٧) الحديث في صحيح مسلم برقم (١٤٥٣) عن عائشة، رضي الله عنها.
(٨) في ف: "مطلقة".
(٩) في أ: "صلى الله عليه وسلم".
(١٠) صحيح البخاري برقم (٤٧٩٦) وصحيح مسلم برقم (١٤٤٥) من حديث عائشة، رضي الله عنها.