وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَسْتَأْذِنُ عَلَى رسول الله ﷺ والناس بِبَابِهِ جُلُوسٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ: فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ. ثُمَّ أَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَدَخْلَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَحَوْلَهُ نِسَاؤُهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ عُمَرُ: لَأُكَلِّمَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ ابْنَةَ زَيْدٍ -امْرَأَةَ عُمَرَ -سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ آنِفًا، فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَا نَاجِذُهُ (١) وَقَالَ: "هُنَّ حَوْلِي يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ". فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى عَائِشَةَ لِيَضْرِبَهَا، وَقَامَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى حَفْصَةَ، كِلَاهُمَا يَقُولَانِ: تَسْأَلَانِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. فَنَهَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ نِسَاؤُهُ: وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْخِيَارَ، فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ: "إِنِّي أَذْكُرُ لَكِ أَمْرًا مَا أُحِبُّ أَنْ تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ". قَالَتْ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: فَتَلَا عَلَيْهَا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ﴾ الْآيَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَفِيكَ أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَسْأَلُكَ أَلَّا تَذْكُرَ لِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِكَ مَا اخْتَرْتُ. فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّفًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا (٢)، لَا تَسْأَلَنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ عَمَّا اخترتِ إِلَّا أخبرتُها".
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ دُونَ الْبُخَارِيِّ، فَرَوَاهُ هُوَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ الْمَكِّيِّ، بِهِ (٣).
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيْج بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ [اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ] (٤) بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّر نِسَاءَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَلَمْ يُخَيِّرْهُنَّ الطَّلَاقَ (٥).
وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رُوي عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمَا نَحْوُ ذَلِكَ. وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنَ الْآيَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا﴾ أي: أعطيكن حُقُوقَكُنَّ وَأُطْلِقْ سَرَاحَكُنَّ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ تَزْوِيجِ غَيْرِهِ لَهُنَّ لَوْ طَلَّقَهُنَّ، عَلَى قَوْلَيْنِ، وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ لَوْ وَقَعَ، لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنَ السَّرَاحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: وَكَانَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ، خَمْسٌ مِنْ قُرَيْشٍ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ، وَسَوْدَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيّ النَّضَريَّة، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيَّةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَرْضَاهُنَّ.
[وَلَمْ يَتَزَوَّجْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، إِلَّا بَعْدَ أَنْ تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَبَقِيَتْ مَعَهُ إِلَى أَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ فَآمَنَتْ بِهِ وَنَصَرَتْهُ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ، وَمَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي الْأَصَحِّ، وَلَهَا خَصَائِصُ مِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا، وَمِنْهَا أَنَّ أَوْلَادَهُ كُلَّهُمْ مِنْهَا، إِلَّا إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّهُ مِنْ سُرِّيَّتِهِ مَارِيَةَ، وَمِنْهَا أَنَّهَا خَيْرُ نساء الأمة.

(١) في ف: "نواجذه".
(٢) في ت: "مبشرا".
(٣) المسند (٣/٣٢٨) وصحيح مسلم برقم (١٤٧٨) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٩٢٠٨).
(٤) زيادة من ت، ف، والمسند.
(٥) زوائد المسند (١/٧٨).


الصفحة التالية
Icon