بَيْتِهِ، فَقَرَابَتُهُ أَحَقُّ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ: "وَأَهْلُ بَيْتِي أَحَقُّ". وَهَذَا يُشْبِهُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَالَ: "هُوَ مَسْجِدِي هَذَا" (١). فَهَذَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ فَإِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي مَسْجِدِ قُباء، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ. وَلَكِنْ إِذَا كَانَ ذَاكَ أسّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِتَسمِيَته بِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانة، عَنْ حُصَين بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ (٢) قَالَ: إِنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ استُخلفَ حِينَ قُتِل عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (٣) قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ وَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَطَعَنَهُ بِخِنْجَرٍ وَزَعَمَ حُصَيْنٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الَّذِي طَعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَحَسَنٌ سَاجِدٌ قَالَ: فَيَزْعُمُونَ أَنَّ الطَّعْنَةَ وَقَعَتْ فِي وَرِكِهِ، فَمَرِضَ مِنْهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ بَرَأ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، اتَّقُوا اللَّهَ فِينَا، فَإِنَّا أُمَرَاؤُكُمْ وَضِيفَانُكُمْ، وَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ قَالَ: فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ إِلَّا وَهُوَ يَحِنّ بُكَاءً.
وَقَالَ السُّدِّي، عَنْ أَبِي الدَّيْلَمِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَمَا قَرَأْتَ فِي الْأَحْزَابِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلْأَنْتُمْ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ أَيْ: بِلُطْفِهِ بِكُنَّ بَلَغْتُنَّ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ، وَبِخِبْرَتِهِ (٤) بِكُنَّ وَأَنَّكُنَّ أَهْلٌ لِذَلِكَ، أَعْطَاكُنَّ ذَلِكَ وَخَصَّكُنَّ بِذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاذْكُرْنَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُنَّ بِأَنَّ جَعْلَكُنَّ فِي بُيُوتٍ تُتْلَى فِيهَا آيَاتُ اللَّهِ وَالْحِكْمَةُ، فَاشْكُرْنَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَاحْمِدْنَهُ.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ أَيْ: ذَا لُطْفٍ بِكُنَّ، إِذْ جَعَلَكُنَّ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي تُتْلَى فِيهَا آيَاتُهُ وَالْحِكْمَةُ. وَهِيَ السُّنَّةُ، خَبِيرًا بكنَّ إِذِ اخْتَارَكُنَّ لِرَسُولِهِ أَزْوَاجًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ قَالَ: يمتنُّ عَلَيْهِنَّ بِذَلِكَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ عَطِيَّةُ العَوْفي فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ يَعْنِي: لَطِيفٌ بِاسْتِخْرَاجِهَا، خَبِيرٌ بِمَوْضِعِهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا رَوَى الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ قَتَادَةَ (٥).
﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (٣٥) ﴾.
(٢) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".
(٣) في ت، ف، أ: "عنه".
(٤) في ت: "بمخبرته".
(٥) في ت: "وقتادة".