رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ينَعت امْرَأَةً: يَقُولُ إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا، لَا يدخلَنّ عليكُنَ" فَأَخْرَجَهُ، فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يَدْخُلُ يَوْمَ كُلِّ جُمُعَةٍ يَسْتَطْعِمُ (١).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْهَا [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٢) وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ، وَعِنْدَهَا [أَخُوهَا] (٣) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ [وَالْمُخَنَّثُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ] (٤) إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرْ (٥) بِثَمَانٍ. قَالَ: فَسَمِعَهُ رسول الله ﷺ فقال لِأُمِّ سَلَمَةَ: "لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكِ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهِ (٦).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ، وَكَانُوا يَعُدّونه مِنْ غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً. فَقَالَ: إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا؟ لَا يدخلَنَّ عَلَيْكُمْ هَذَا" فَحَجَبُوهُ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِهِ (٧).
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ يَعْنِي: لِصِغَرِهِمْ لَا يَفْهَمُونَ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَعَوْرَاتِهِنَّ مِنْ كَلَامِهِنَّ (٨) الرَّخِيمِ، وَتَعَطُّفِهِنَّ فِي الْمِشْيَةِ وَحَرَكَاتِهِنَّ، فَإِذَا كَانَ الطِّفْلُ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِهِ عَلَى النِّسَاءِ. فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُرَاهِقًا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، بِحَيْثُ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَيَدْرِيهِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّوْهَاءِ وَالْحَسْنَاءِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الحَمْو؟ قَالَ: "الحَمْو الْمَوْتُ".
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَتْ (٩) تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَفِي رَجْلِهَا خَلْخَالٌ صَامِتٌ -لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُ -ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا الْأَرْضَ، فَيَعْلَمُ الرِّجَالُ طَنِينَهُ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَاتِ عَنْ مَثَلِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ زِينَتِهَا مَسْتُورًا، فَتَحَرَّكَتْ بِحَرَكَةٍ لِتُظْهِرَ (١٠) مَا هُوَ خَفِيٌّ، دَخَلَ فِي هَذَا النَّهْيِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ : وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهَا تُنْهَى عَنِ التَّعَطُّرِ وَالتَّطَيُّبِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا ليَشْتَمَّ (١١) الرِّجَالُ طِيبَهَا، فَقَدْ قَالَ أبو عيسى الترمذي:

(١) صحيح مسلم برقم (٢١٨١) وزيادة: "فأخرجه، فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة.... الحديث" أخرجها أبو داود في السنن برقم (٤١٠٩) من طريق الزهري، به، وليست في صحيح مسلم.
(٢) زيادة من ف، أ، والمسند.
(٣) زيادة من ف، أ، والمسند.
(٤) زيادة من ف، أ، والمسند.
(٥) في ف، أ: "وتذهب".
(٦) المسند (٦/٢٩٠) وصحيح البخاري برقم (٥٨٨٧) وصحيح مسلم برقم (٢١٨٠).
(٧) المسند (٦/١٥٢) وصحيح مسلم برقم (٢١٨١) وسنن أبي داود برقم (٤١٠٨) والنسائي في السنن الكبرى (٩٢٤٧).
(٨) في ف: "كلامهم".
(٩) في ف: "كانت المرأة إذا كانت في الجاهلية".
(١٠) في ف: "ليظهر".
(١١) في أ: "ليشم".


الصفحة التالية
Icon