أَثَرُهَا فِي جُذُورِ (١) قُلُوبِ النَّاسِ، ثُمَّ يُرْفَعُ الْوَفَاءُ وَالْعَهْدُ وَالذِّمَمُ وَتَبْقَى الْكُتُبُ (٢)، فَعَالِمٌ يَعْمَلُ، وَجَاهِلٌ يَعْرِفُهَا وَيُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُهَا، حَتَّى وَصَلَ إِلَيَّ وَإِلَى أُمَّتِي، وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالَكٌ، وَلَا يُغْفِلُهُ إِلَّا تَارِكٌ. فَالْحَذَرَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَإِيَّاكُمْ وَالْوَسْوَاسَ الْخَنَّاسَ، فَإِنَّمَا يَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٣).
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَوَّامِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ (٤)، عَنْ خُليَد العَصَري (٥)، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا -وَكَانَ يَقُولُ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ -[وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا] (٦)، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ". قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ؟ قَالَ: الْغَسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمَنِ ابْنَ آدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ غَيْرَهُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ (٧) الْحَنَفِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ عِمْرَانَ بْنِ دَاور (٨) الْقِطَّانِ، بِهِ (٩).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ (١٠) أَيْضًا: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (١١) بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا -أَوْ قَالَ: يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ -إِلَّا الْأَمَانَةَ، يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: أدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ، وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: أدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ. فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرِهَا، فَيَجِدُهَا هُنَالِكَ كَهَيْئَتِهَا، فَيَحْمِلُهَا فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَيَصْعَدُ بِهَا إِلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ زلَّت فَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ". وَقَالَ: وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْوُضُوءِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ. فَلَقِيتُ الْبَرَاءَ فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعَ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: صَدَقَ.
قَالَ شَرِيكٌ: وَحَدَّثَنَا عَيَّاشٌ (١٢) الْعَامِرِيُّ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ (١٣) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي
(٢) في ت: "الكسب".
(٣) تفسير الطبري (٢٢/٣٩) وله شاهد من حديث حذيفة أخرجه البخاري في صحيحه برقم (٦٤٩٧) وسيأتي.
(٤) في أ: "أبي عباس".
(٥) في ت: "ثم روى ابن جرير بإسناده".
(٦) زيادة من ت، ف، أ، وتفسير الطبري.
(٧) في أ: "عبد الحميد".
(٨) في أ: "داود".
(٩) تفسير الطبري (٢٢/٣٩) وسنن أبي داود برقم (٤٢٩).
(١٠) في ت: "وروى ابن أبي جرير".
(١١) في أ: "عبيد الله".
(١٢) في أ: "عباس".
(١٣) في ت: "وعن".