لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَى دَاوُدَ، عَطَفَ بِذِكْرِ مَا أَعْطَى ابْنَهُ سُلَيْمَانَ (١)، مِنْ تَسْخِيرِ الرِّيحِ لَهُ تَحْمِلُ بِسَاطَهُ، غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ يَغْدُو عَلَى بِسَاطِهِ مِنْ دِمَشْقَ فَيَنْزِلُ بِإِصْطَخَرَ يَتَغَذَّى (٢) بِهَا، وَيَذْهَبُ رَائِحًا مِنْ إِصْطَخَرَ فَيَبِيتُ بِكَابُلَ، وَبَيْنَ دِمَشْقَ وَإِصْطَخَرَ شَهْرٌ كَامِلٌ لِلْمُسْرِعِ، وَبَيْنَ إِصْطَخَرَ وَكَابُلَ شَهْرٌ كَامِلٌ لِلْمُسْرِعِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ (٣) عَيْنَ الْقِطْرِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمَالِكٌ عن زيد بن أسلم، و (٤) عبد الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: الْقِطْرُ: النُّحَاسُ. قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ، فَكُلُّ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لِسُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ السُّدِّيُّ: وَإِنَّمَا أُسِيلَتْ لَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ أَيْ: وَسَخَّرْنَا لَهُ الْجِنَّ يَعْمَلُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ: بِقَدَرِهِ (٥)، وَتَسْخِيرِهِ لَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ مَا يَشَاءُ مِنَ الْبِنَايَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ﴿وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا﴾ أَيْ: ومَنْ يَعْدِلْ وَيَخْرُجُ مِنْهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ وَهُوَ الْحَرِيقُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَير (٦)، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنيّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْجِنُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ، وَصِنْفٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعُنُونَ". رَفْعُهُ غَرِيبٌ جِدًّا. (٧)
وَقَالَ (٨) أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حَرْمَلة، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي بَكْرُ (٩) بْنُ مُضَر، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَنْعُمَ أَنَّهُ قَالَ: الْجِنُّ ثَلَاثَةٌ: صِنْفٌ لَهُمُ الثَّوَابُ وَعَلَيْهِمُ الْعِقَابُ، وَصِنْفٌ طَيَّارُونَ فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَصِنْفٌ حَيَّاتٌ وَكِلَابٌ.
قَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ: وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَّ الْإِنْسَ ثَلَاثَةٌ (١٠) : صِنْفٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ بِظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَصِنْفٌ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا. وَصِنْفٌ فِي صُوَر النَّاسِ عَلَى قُلُوبِ الشَّيَاطِينِ.

(١) في ت، أ: "ما أعطى ابنه سليمان بن داود" وفي س: "ما أعطى ابنه سليمان".
(٢) في ت: "فيتغذى".
(٣) في ت: "واسالنا"
(٤) في ت: "بن".
(٥) في ت، أ: "أي الإذن القدرى" وفي س: "أى القدرى".
(٦) في ت: "وقد روى ابن حاتم هاهنا حديثًا غريبًا بإسناده".
(٧) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٤٥٦) وصححه، ووافقه الذهبي، والطبراني في الكبير (٢٢/٢١٤) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صالح به، ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (٢٠٠٧) من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح، به.
(٨) في ت: "وروى".
(٩) في أ: "بكير".
(١٠) في أ: "ثلاثة أصناف".


الصفحة التالية
Icon