أَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ: اغْتَنَمُوا غَضْبَةَ عَمْرٍو. فَاشْتَرَوْا مِنْهُ أَمْوَالَهُ، وَانْتَقَلَ هُوَ فِي وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ. وَقَالَتِ الْأَزْدُ: لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ. فَبَاعُوا أَمْوَالَهُمْ، وَخَرَجُوا مَعَهُ فَسَارُوا (١) حَتَّى نَزَلُوا بِلَادَ "عَكَّ" مُجْتَازِينَ يَرْتَادُونَ الْبُلْدَانَ، فَحَارَبَتْهُمْ عَكُّ، وَكَانَتْ حَرْبُهُمْ سجَالا. فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسَ السُّلَمِيُّ:
وَعَكَ بنُ عَدنَانَ الذين تَغَلَّبُوا... بِغَسَّانَ، حَتَّى طُرّدُوا كُلّ مَطْرَد...
وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ (٢) قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ: ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهُمْ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، فَنَزَلَ آلُ جَفْنَة بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الشَّامَ، وَنَزَلَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ يَثْرِبَ، وَنَزَلَتْ خُزَاعَةُ مَرّا. وَنَزَلَتْ أَزْدُ السَّرَاةِ السَّرَاةَ، وَنَزَلَتْ أَزِدُ عُمَان عُمان، ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى السَّدِّ السَّيْلَ فهدمَه، وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَاتِ. (٣)
وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ قِصَّةَ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ بِنَحْوٍ مِمَّا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "فَأَمَرَ ابْنَ أَخِيهِ"، مَكَانَ "ابْنِهِ"، إِلَى قَوْلِهِ: "فَبَاعَ مَالَهُ وَارْتَحَلَ بِأَهْلِهِ، فَتَفَرَّقُوا". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا [سَلَمَةُ] (٤)، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ -وَهُوَ عَمُّ الْقَوْمِ-كَانَ كَاهِنًا، فَرَأَى فِي كَهَانَتِهِ أَنَّ قَوْمَهُ سَيمَزّقون ويباعَدُ بَيْنَ أَسْفَارِهِمْ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَتُمَزَّقُونَ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمٍّ بَعِيدٍ وَجَمَلٍ شَدِيدٍ، ومَزَاد جَديد -فَلْيَلْحَقْ بِكَاسٍ أَوْ كَرُودَ. قَالَ: فَكَانَتْ وَادَعَةُ بْنُ عَمْرٍو. ومَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا هَمّ مُدْن، وَأَمْرٍ دَعْن، فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِ شَنْ. فَكَانَتْ عَوْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَهُمُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ: بَارِقُ. ومَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ عَيْشًا آنِيًا، وَحَرَمًا آمِنًا، فَلْيَلْحَقْ بِالْأَرْزِينِ. فَكَانَتْ خُزَاعَةُ. ومَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الرَّاسِيَاتِ فِي الْوَحْلِ، الْمُطْعِمَاتِ فِي الْمَحْلِ، فَلْيَلْحَقْ بِيَثْرِبَ ذَاتِ النَّخْلِ. فَكَانَتِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَهُمَا هَذَانِ الْحَيَّانِ مِنَ الْأَنْصَارِ. ومَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ خَمْرًا وخَميرا، وَذَهَبًا وَحَرِيرًا، وَمُلْكًا وَتَأْمِيرًا، فَلْيَلْحَقْ بكُوثي وبُصرى، فَكَانَتْ غسانَ بَنُو جَفنة (٥) ملوكُ الشَّامِ. ومَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْعِرَاقِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إِنَّمَا قَالَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ طريفةُ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، وَكَانَتْ كَاهِنَةً، فَرَأَتْ فِي كَهَانَتِهَا ذَلِكَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. (٦)
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَمَّا غَسَّانُ فَلَحِقُوا بِالشَّامِ، وَأَمَّا الْأَنْصَارُ فَلَحِقُوا بِيَثْرِبَ، وَأَمَّا خُزَاعَةَ فَلَحِقُوا بِتِهَامَةَ، وَأَمَّا الْأَزْدُ فَلَحِقُوا بِعُمَانَ، فَمَزَّقَهُمُ اللَّهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ.
ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ الْأَعْشَى -أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ-وَاسْمُهُ: مَيْمُونُ بْنُ قيس:

(١) في ت: "فسار".
(٢) في ت، س: "في".
(٣) السيرة النبوية لابن هشام (١/١٠).
(٤) زيادة من ت، والطبري.
(٥) في ت: "بنو حنيفة".
(٦) تفسير الطبري (٢٢/٥٩).


الصفحة التالية
Icon