، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾ الْآيَةَ [الشُّورَى: ١٨].
ثُمَّ قَالَ: ﴿قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ أَيْ: لَكُمْ مِيعَادٌ مُؤَجَّلٌ مَعْدُودٌ مُحَرَّرٌ، لَا يَزْدَادُ وَلَا يَنْتَقِصُ، فَإِذَا جَاءَ فَلَا يُؤَخَّرُ سَاعَةً وَلَا يُقَدَّمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ﴾ [نُوحٍ: ٤]، وَقَالَ ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هُودٍ: ١٠٤، ١٠٥].
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) ﴾
﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) ﴾.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَمَادِي الْكُفَّارِ فِي طُغْيَانِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ وَمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَهَدِّدًا لَهُمْ وَمُتَوَعِّدًا، وَمُخْبِرًا عَنْ مَوَاقِفِهِمُ الذَّلِيلَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي حَالِ تُخَاصِمِهِمْ وَتَحَاجِّهِمْ: ﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ مِنْهُمْ وَهُمُ الْأَتْبَاعُ ﴿لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ وَهُمْ قَادَتُهُمْ وَسَادَتُهُمْ: ﴿لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ: لَوْلَا أَنْتُمْ تَصُدُّونَا، لَكُنَّا اتَّبَعْنَا الرُّسُلَ وَآمَنَّا بِمَا جاؤونا بِهِ. فَقَالَ لَهُمُ الْقَادَةُ وَالسَّادَةُ، وَهُمُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: ﴿أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ﴾ أَيْ: نَحْنُ مَا فَعَلْنَا بِكُمْ (١) أَكْثَرَ مِنْ أنَّا دَعَوْنَاكُمْ فَاتَّبَعْتُمُونَا مِنْ غَيْرِ (٢) دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَخَالَفْتُمُ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ وَالْحُجَجَ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ، لِشَهْوَتِكُمْ وَاخْتِيَارِكُمْ لِذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ. وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَار﴾ أَيْ: بَلْ كُنْتُمْ تَمْكُرُونَ بِنَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وتَغُرّونا وتُمَنّونا، وَتُخْبِرُونَا أَنَّا عَلَى هُدًى وَأَنَّا عَلَى شَيْءٍ، فَإِذَا جَمِيعُ ذَلِكَ بَاطِلٌ وكَذبٌ ومَيْن.
قَالَ قَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ (٣) :﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ يَقُولُ: بَلْ مَكْرُهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: مَكْرُهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ أَيْ نُظَرَاءَ وَآلِهَةً مَعَهُ، وتقيموا لنا شُبَهًا وأشياءَ من

(١) في س، أ: "بكم ذلك".
(٢) في ت، س، أ: "بغير".
(٣) في ت، أ: "ابن زيد بن أسلم".


الصفحة التالية
Icon