وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأعْمَى وَالأصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا﴾ [هُودٍ: ٢٤] فَالْمُؤْمِنُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فِي نُورٍ يَمْشِي، عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، حَتَّى يَسْتَقِرَّ بِهِ الْحَالُ فِي الْجَنَّاتِ ذَاتِ الظِّلَالِ وَالْعُيُونِ، وَالْكَافِرُ أَعْمَى أَصَمُّ، فِي ظُلُمَاتٍ يَمْشِي، لَا خُرُوجَ لَهُ مِنْهَا، بَلْ هُوَ يَتِيهُ فِي غَيِّه وَضَلَالِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، حَتَّى يُفْضِيَ بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْحَرُورِ وَالسَّمُومِ وَالْحَمِيمِ، ﴿وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لَا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٤٣، ٤٤].
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ﴾ أَيْ: يَهْدِيهِمْ إِلَى سَمَاعِ الْحُجَّةِ وَقَبُولِهَا وَالِانْقِيَادِ لَهَا ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ أَيْ: كَمَا لَا [يَسْمَعُ وَ] (١) يَنْتَفِعُ الْأَمْوَاتُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَصَيْرُورَتِهِمْ إِلَى قُبُورِهِمْ، وَهُمْ كُفَّارٌ بِالْهِدَايَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ كُتِب عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةُ لَا حيلةَ لَكَ فِيهِمْ، وَلَا تَسْتَطِيعُ هِدَايَتَهُمْ.
﴿إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ﴾ أَيْ: إِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَالْإِنْذَارُ، وَاللَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ أَيْ: بَشِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَنَذِيرًا لِلْكَافِرِينَ، ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ أَيْ: وَمَا مِنْ أُمَّةٍ خَلَتْ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ النُّذر، وَأَزَاحَ عَنْهُمُ الْعِلَلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرَّعْدِ: ٧]، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ الْآيَةَ [النَّحْلِ: ١٣٦]، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ وَهِيَ: الْمُعْجِزَاتُ الْبَاهِرَاتُ، وَالْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَاتُ، ﴿وَبِالزُّبُرِ﴾ وَهِيَ الْكُتُبُ، ﴿وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ أَيِ: الْوَاضِحُ الْبَيِّنُ.
﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيْ: وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ كَذّب أُولَئِكَ رسلَهم فيما جاؤوهم بِهِ، فَأَخَذْتُهُمْ، أَيْ: بِالْعِقَابِ وَالنَّكَالِ، ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أَيْ: فَكَيْفَ رَأَيْتَ (٢) إِنْكَارِي عَلَيْهِمْ عَظِيمًا شَدِيدًا بَلِيغًا؟
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ فِي خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ الْمُتَنَوِّعَةَ الْمُخْتَلِفَةَ مِنَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُنْزِلُهُ مِنَ السَّمَاءِ، يُخْرِجُ بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا، مِنْ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَأَخْضَرَ وَأَبْيَضَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّمَارِ، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ مِنْ تَنَوُّعِ أَلْوَانِهَا وَطَعُومِهَا وَرَوَائِحِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى (٣) بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرَّعْدِ: ٤].
(٢) في ت: "رأيت كان".
(٣) في ت، س: "تسقى".