هَذَا وَيَجُوزُ لَهَا شُهُودُ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا تُؤْذِيَ أَحَدًا مِنَ الرِّجَالِ بِظُهُورِ زِينَةٍ وَلَا رِيحِ طِيبٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ" (١).
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: "وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ" (٢) وَفِي رِوَايَةٍ: "وَلِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلات" (٣) أَيْ: لَا رِيحَ لَهُنَّ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ زَيْنَبَ -امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ -قَالَتْ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا" (٤).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ (٥) يَشْهَدْنَ الْفَجْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطهن، مَا يُعْرَفْن مِنَ الغَلَس (٦).
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لمنعهُنّ الْمَسَاجِدَ، كَمَا مُنعت نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٧).
وَقَوْلُهُ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾، كَقَوْلِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الْمُنَافِقُونَ: ٩]، وَقَالَ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الْجُمُعَةِ: ٩]
يَقُولُ تَعَالَى: لَا تَشْغَلُهُمُ الدُّنْيَا وَزُخْرُفُهَا وَزِينَتُهَا ومَلاذ بَيعها وَرِيحُهَا، عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمُ الَّذِي هُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَنْفَعُ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ أَيْ: يُقَدِّمُونَ طَاعَتَهُ ومُرَاده وَمَحَبَّتَهُ عَلَى مُرَادِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ.
قَالَ هُشَيْم: عَنْ سَيَّار (٨) :[قَالَ] (٩) حُدِّثت عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، حَيْثُ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، تَرَكُوا بِيَاعَاتِهِمْ وَنَهَضُوا إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَؤُلَاءِ مِنَ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (١٠).
وَهَكَذَا رَوَى عَمْرو بْنُ دِينَارٍ القَهْرَمَانيّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كَانَ فِي السُّوقِ (١١) فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَأَغْلَقُوا حَوَانِيتَهُمْ وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ، فَقَالَ ابْنُ عمر: فيهم
(٢) المسند (٢/٧٦) وسنن أبي داود برقم (٥٦٧) من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
(٣) وهي في المسند (٢/٤٣٨) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(٤) صحيح مسلم برقم (٤٤٣).
(٥) في ف، أ: "المؤمنات".
(٦) صحيح البخاري برقم (٥٧٨) وصحيح مسلم برقم (٦٤٥).
(٧) صحيح البخاري برقم (٨٦٩) وصحيح مسلم برقم (٤٤٥).
(٨) في ف، أ: "شيبان".
(٩) زيادة من ف، أ.
(١٠) رواه الطبري في تفسيره (١٨/١١٣).
(١١) في ف، أ: "بالسوق".