قَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي فِي صَحِيفَةٍ، وَبَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: فَقَالَ هِشَامٌ: لَمَّا أَتَتْنِي جَعَلْتُ أَقْرَؤُهَا بِذِي طُوًى أصَعَّد بِهَا فِيهِ وَأُصَوِّتُ وَلَا أَفْهَمُهَا، حَتَّى قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَفْهِمْنِيهَا. قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِي أَنَّهَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا، وَيُقَالُ فِينَا. فَرَجَعْتُ إِلَى بَعِيرِي فَجَلَسْتُ عَلَيْهِ، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ.
ثُمَّ اسْتَحَثَّ [سُبْحَانَهُ] (١) وَتَعَالَى عِبَادَهُ إِلَى الْمُسَارَعَةِ إِلَى التَّوْبَةِ، فَقَالَ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ أَيِ: ارْجِعُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَسْلِمُوا لَهُ، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ أَيْ: بَادِرُوا بِالتَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ حُلُولِ النِّقْمَةِ،.
﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ أَيْ: مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُونَ وَلَا تَشْعُرُونَ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَتَحَسَّرُ الْمُجْرِمُ الْمُفَرِّطُ فِي التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ، وَيَوَدُّ لَوْ كَانَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الْمُخْلِصِينَ الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ أَيْ: إِنَّمَا كَانَ عَمَلِي فِي الدُّنْيَا عَمَلَ سَاخِرٍ مُسْتَهْزِئٍ غَيْرِ مُوقِنٍ مُصَدِّقٍ.
﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيْ: تَوَدُّ أَنْ لَوْ (٢) أُعِيدَتْ إِلَى الدَّارِ فَتُحْسِنُ (٣) الْعَمَلَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ (٤)، مَا الْعِبَادُ قَائِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَقُولُوهُ، وَعَمَلَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهُ (٥)، وَقَالَ: ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فَاطِرٍ: ١٤]، ، ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْ لَوْ رُدوا لَمَا قَدَرُوا عَلَى الْهُدَى، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٨].
وَقَدْ قَالَ (٦) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ أَهْلِ النَّارِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي؟! فَتَكُونُ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ". قَالَ: "وَكُلُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ فَيَقُولُ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي! " قَالَ: "فَيَكُونُ لَهُ الشُّكْرُ".
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، بِهِ (٧).
(٢) في ت: "أن لو أن".
(٣) في أ: "لتحسن".
(٤) في أ: "أخبرنا الله تعالى".
(٥) في ت، س: "وعلمهم قبل أن يعلموه".
(٦) في ت: "روى".
(٧) المسند (٢/٥١٢).