يَأْمُرُونَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَمُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَرَأَوْا مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِأَعْدَائِهِ مِنَ النِّقَمِ، وَمَا أَلْبَسَ (١) أَوْلِيَاءَهُ مِنَ النِّعَمِ، وَمَعَ هَذَا مَا آمَنُوا وَلَا صَدَّقُوا، بَلْ كَذَّبُوا وَجَحَدُوا، وَقَالُوا: ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأنزلَ مَلائِكَةً﴾ أَيْ: لَوْ أَرْسَلَ اللَّهُ رُسُلًا (٢) لَكَانُوا مَلَائِكَةً مِنْ عِنْدِهِ، ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ أَيْ: أَيُّهَا الْبَشَرُ ﴿كَافِرُونَ﴾ أَيْ: لَا نَتَّبِعُكُمْ وَأَنْتُمْ بَشَرٌ مِثْلُنَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبرَوُا فِي الأرْضِ [بِغَيْرِ الحَقٍّ] ﴾ (٣) أَيْ: بَغَوْا وَعَتَوْا وَعَصَوْا، ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ أَيْ: مَنُّوا بِشِدَّةِ تَرْكِيبِهِمْ وَقُوَاهُمْ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ بِهِ مِنْ بَأْسِ اللَّهِ! ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ أَيْ: أَفَمَا يَتَفَكَّرُونَ (٤) فِيمَنْ يُبَارِزُونَ بِالْعَدَاوَةِ؟ فَإِنَّهُ الْعَظِيمُ الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَرَكَّبَ فِيهَا قُوَاهَا الْحَامِلَةَ لَهَا، وَإِنَّ بَطْشَهُ شَدِيدٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذَّارِيَاتِ: ٤٧]، فَبَارَزُوا الْجَبَّارَ بِالْعَدَاوَةِ، وَجَحَدُوا بِآيَاتِهِ وَعَصَوْا رَسُولَهُ، فَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ الشَّدِيدَةُ الْهُبُوبِ. وَقِيلَ: الْبَارِدَةُ. وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَهَا صَوْتٌ.
وَالْحَقُّ أَنَّهَا مُتَّصِفَةٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ رِيحًا شَدِيدَةً قَوِيَّةً؛ لِتَكُونَ عُقُوبَتُهُمْ مِنْ جِنْسِ مَا اغْتَرُّوا بِهِ مِنْ قُوَاهُمْ، وَكَانَتْ بَارِدَةً شَدِيدَةَ الْبَرْدِ جِدًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ [الْحَاقَّةِ: ٦]، أَيْ: بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ، وَكَانَتْ ذَاتَ صَوْتٍ مُزْعِجٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّهْرُ الْمَشْهُورُ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ "صَرْصَرًا (٥) لِقُوَّةِ صَوْتِ جَرْيِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ﴾ أَيْ: مُتَتَابِعَاتٍ، ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الْحَاقَّةِ: ٧]، كَقَوْلِهِ ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ [الْقَمَرِ: ١٩]، أَيِ: ابْتُدِئُوا بِهَذَا الْعَذَابِ فِي يَوْمِ نَحْسٍ عَلَيْهِمْ، وَاسْتَمَرَّ بِهِمْ هَذَا النَّحْسُ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَبَادَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، وَاتَّصَلَ بِهِمْ خِزْيُ الدُّنْيَا بِعَذَابِ الْآخِرَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى﴾ [أَيْ] (٦) أَشَدُّ خِزْيًا لَهُمْ، ﴿وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ﴾ أَيْ: فِي الْأُخْرَى (٧)، كَمَا لَمْ يُنْصَرُوا فِي الدُّنْيَا، وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ يَقِيهِمُ الْعَذَابَ وَيَدْرَأُ عَنْهُمُ النَّكَالَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ: بَيَّنَّا لَهُمْ (٨).
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: دَعَوْنَاهُمْ.
﴿فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ أَيْ: بَصَّرْنَاهُمْ، وَبَيَّنَّا لَهُمْ، وَوَضَّحْنَا لَهُمُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَالِحٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٩)، فَخَالَفُوهُ وَكَذَّبُوهُ، وَعَقَرُوا نَاقَةَ اللَّهِ الَّتِي جَعَلَهَا آيَةً وَعَلَامَةً عَلَى صِدْقِ نَبِيِّهِمْ، ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ﴾ أَيْ: بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَرَجْفَةً وَذُلًّا وَهَوَانًا وَعَذَابًا وَنَكَالًا ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي: من التكذيب والجحود.
(٢) في ت: "رسولا".
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) في ت، س: "أفما يفكرون"، وفي أ: "فيما يتفكرون".
(٥) في ت، س: "صرصر".
(٦) زيادة من أ.
(٧) في ت: "الآخرة".
(٨) في ت: "وسعيد بن جبير وغيرهم".
(٩) في ت، س: "عليه السلام".