رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذَيْنِ أَضَلانَا﴾ قَالَ: إِبْلِيسُ وَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ.
وَهَكَذَا رَوَى حَبَّةُ العُرَنِي عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ عَلِيٍّ: فَإِبْلِيسُ يَدْعُو بِهِ كُلُّ صَاحِبِ شِرْكٍ، وَابْنُ آدَمَ يَدْعُو بِهِ كُلُّ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ، فَإِبْلِيسُ -لَعَنَهُ اللَّهُ-هُوَ الدَّاعِي إِلَى كُلِّ شَرٍّ مِنْ شِرْكٍ فَمَا دُونَهُ، وَابْنُ آدَمَ الْأَوَّلُ. كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: "مَا قُتِلَتْ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ" (١).
وَقَوْلُهُ (٢) ﴿نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا﴾ أَيْ: أَسْفَلَ مِنَّا فِي الْعَذَابِ لِيَكُونَا أَشَدَّ عَذَابًا مِنَّا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ﴾ أَيْ: فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي "الْأَعْرَافِ" مِنْ سُؤَالِ الْأَتْبَاعِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعَذِّبَ قَادَتَهُمْ أَضْعَافَ عَذَابِهِمْ، قَالَ: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٣٨] أَيْ: إِنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلًّا مِنْهُمْ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، بِحَسَبِ عَمَلِهِ وَإِفْسَادِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [النحل: ٨٨].
(٢) في س: "وقولهم".
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ أَيْ: أَخْلَصُوا الْعَمَلَ لِلَّهِ، وَعَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا شَرَعَ اللَّهُ لَهُمْ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ، حَدَّثَنَا سَلْمُ (١) بْنُ قُتَيْبَةَ أَبُو قُتَيْبَةَ الشَّعِيري، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ (٢) بْنُ أَبِي حَزْمٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ (٣) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ قَدْ قَالَهَا نَاسٌ ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ (٤)، فَمَنْ قَالَهَا حَتَّى (٥) يَمُوتَ فَقَدِ (٦) اسْتَقَامَ عَلَيْهَا.
وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَالْبَزَّارُ وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ، عَنْ سَلْمِ (٧) بْنِ قُتَيْبَةَ، بِهِ (٨). وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الْفَلَّاسِ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عامر بن سعد (٩)
(٢) في أ: "سهل".
(٣) في ت: "قال الحافظ أبو يعلى الموصلي بسنده".
(٤) في أ: "ثم كفروا".
(٥) في ت: "حين".
(٦) في ت، س: "فهو ممن".
(٧) في أ: "مسلم".
(٨) مسند أبي يعلى ٠٦/٢١٣)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٧٠) وتفسير الطبري (٢٤/٧٣).
(٩) في أ: "سعيد".