وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ. قَالَ: "قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ" وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ (١).
وَقَوْلُهُ: ﴿تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَابْنُهُ: يَعْنِي عِنْدَ الْمَوْتِ قَائِلِينَ: ﴿أَلا تَخَافُوا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَيْ مِمَّا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، ﴿وَلا تَحْزَنُوا﴾ [أَيْ] (٢) عَلَى مَا خَلَّفْتُمُوهُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، مِنْ وَلَدٍ وَأَهْلٍ، وَمَالٍ أَوْ دَيْنٍ، فَإِنَّا نَخْلُفُكُمْ فِيهِ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فَيُبَشِّرُونَهُمْ بِذَهَابِ الشَّرِّ وَحُصُولِ الْخَيْرِ.
وَهَذَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ (٣)، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ لِرُوحِ الْمُؤْمِنِ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ، اخْرُجِي إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ".
وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالسُّدِّيُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حدثنا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا قَرَأَ سُورَةَ "حم السَّجْدَةِ" (٤) حَتَّى بَلَغَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾ فَوَقَفَ فَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ حِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مِنْ قَبْرِهِ، يَتَلَقَّاهُ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ كَانَا مَعَهُ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ، ﴿وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (٥) قَالَ: فَيُؤَمِّنُ اللَّهُ خَوْفَهُ، وَيُقِرُّ عَيْنَهُ فَمَا عَظِيمَةٌ يَخْشَى النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ لِلْمُؤْمِنِ قُرَّةُ عَيْنٍ، لِمَا هَدَاهُ اللَّهُ، وَلِمَا كَانَ يَعْمَلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: يُبَشِّرُونَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَفِي قَبْرِهِ، وَحِينَ يُبْعَثُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَهَذَا الْقَوْلُ يَجْمَعُ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا، وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا، وَهُوَ الْوَاقِعُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ أَيْ: تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ: نَحْنُ كُنَّا أَوْلِيَاءَكُمْ، أَيْ: قُرَنَاءَكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، نُسَدِّدُكُمْ وَنُوَفِّقُكُمْ، وَنَحْفَظُكُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ نَكُونُ مَعَكُمْ فِي الْآخِرَةِ نُؤْنِسُ مِنْكُمُ الْوَحْشَةَ فِي الْقُبُورِ، وَعِنْدَ النَّفْخَةِ فِي الصُّورِ، وَنُؤَمِّنُكُمْ يَوْمَ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَنُجَاوِزُ بِكُمُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَنُوصِلُكُمْ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ﴾ أَيْ: فِي الْجَنَّةِ مِنْ جَمِيعِ مَا تَخْتَارُونَ (٦) مِمَّا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ، وَتَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ، ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾ أَيْ: مَهْمَا طَلَبْتُمْ وَجَدْتُمْ، وَحَضَرَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، [أَيْ] (٧) كَمَا اخْتَرْتُمْ،
﴿نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ أَيْ: ضِيَافَةً وَعَطَاءً وَإِنْعَامًا مِنْ غَفُورٍ لِذُنُوبِكُمْ، رَحِيمٍ بِكُمْ رَءُوفٍ، حَيْثُ غَفَرَ، وَسَتَرَ، وَرَحِمَ، وَلَطَفَ.

(١) صحيح مسلم برقم (٣٨).
(٢) زيادة من ت، س، أ.
(٣) حديث البراء سبق تخريجه عند تفسير الآية: ٤٠ من سورة الأعراف إلا أن هذا اللفظ هو لفظ حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مخرج في نفس الموضع.
(٤) في ت: وروى ابن أبي حاتم عن ثابت أنه قرأ السجدة".
(٥) في ت، س، أ: "وأبشر" وهو خطأ.
(٦) في ت: "تختارونه".
(٧) زيادة من ت.


الصفحة التالية
Icon