وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِي، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ". قُلْنَا (١) يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حُضِر جَاءَهُ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ اللَّهَ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ" قَالَ: "وَإِنَّ الْفَاجِرَ -أَوِ الْكَافِرَ-إِذَا حُضِر (٢) جَاءَهُ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ -أَوْ: مَا يَلْقَى مِنَ الشَّرِّ-فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ فَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ".
وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ (٣)، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ (٤).
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ﴾ أَيْ: دَعَا عِبَادَ اللَّهِ إِلَيْهِ، ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أَيْ: وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُهْتَدٍ بِمَا يَقُولُهُ، فَنَفْعُهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لَازِمٌ ومُتَعَدٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَأْتُونَهُ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَأْتُونَهُ، بَلْ يَأْتَمِرُ بِالْخَيْرِ وَيَتْرُكُ الشَّرَّ، وَيَدْعُو الْخَلْقَ إِلَى الْخَالِقِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَهَذِهِ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ دَعَا إِلَى خَيْرٍ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُهْتَدٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالسُّدِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُؤَذِّنُونَ الصُّلَحَاءُ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٥) وَفِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا: "الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ، وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ" (٦).
وَقَالَ (٧) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرُوبَة الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا غَسَّانُ قَاضِي هَرَاةَ وَقَالَ أَبُو زَرْعَةَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مَطَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍّ أَنَّهُ قَالَ: "سِهَامُ الْمُؤَذِّنِينَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَسِهَامِ الْمُجَاهِدِينَ، وَهُوَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ كَالْمُتَشَحِّطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي دَمِهِ".
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "لَوْ كُنْتُ مُؤَذِّنًا مَا بَالَيْتُ ألا أحج ولا أعتمر ولا أجاهد".

(١) في أ: "قال".
(٢) في أ: "احتضر".
(٣) المسند (٣/١٠٧).
(٤) رواه البخاري في صحيحه برقم (٦٥٠٧) ومسلم في صحيحه برقم (٢٦٨٣) من طريق قتادة عن أنس عن عبادة بن الصامت بنحو الحديث المتقدم.
(٥) صحيح مسلم برقم (٣٨٧) من حديث مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٦) رواه أحمد في مسنده (٢/٢٣٢) وأبو داود في السنن برقم (٨/٥) والترمذي في السنن برقم (٢٠٧).
(٧) في ت: "وروى".


الصفحة التالية
Icon