الْأَنْبِيَاءِ لَا نُفَرِّقُ (١) بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ أَيْ: فِي الْحُكْمِ كَمَا أَمَرَنِي اللَّهُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ أَيْ: هُوَ الْمَعْبُودُ، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَنَحْنُ نُقِرُّ بِذَلِكَ اخْتِيَارًا، وَأَنْتُمْ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوهُ اخْتِيَارًا، فَلَهُ يَسْجُدُ مَنْ فِي الْعَالَمِينَ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا.
وَقَوْلُهُ: ﴿لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ أَيْ: نَحْنُ بُرَآءُ مِنْكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يُونُسَ: ٤١].
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ لَا خُصُومَةَ. قَالَ السُّدِّيُّ: وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ السَّيْفِ. وَهَذَا مُتَّجَهٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ، وَآيَةَ السَّيْفِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ [سَبَأٍ: ٢٦].
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ أي: المرجع والمآب يوم الحساب.

(١) في ت: "لا يفرق".

﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى -مُتَوَعِّدًا الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ-: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ﴾ أَيْ: يُجَادِلُونَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، لِيَصُدُّوهُمْ عَمَّا سَلَكُوهُ مِنْ طَرِيقِ الْهُدَى، ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ: بَاطِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، ﴿وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ﴾ أَيْ: مِنْهُ، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ: جَادَلُوا الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ مَا اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، لِيَصُدُّوهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَطَمِعُوا أَنْ تَعُودَ الْجَاهِلِيَّةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالُوا لَهُمْ: دِينُنَا خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، وَأَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ يَعْنِي: الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ ﴿وَالْمِيزَانَ﴾، وَهُوَ: الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الْحَدِيدِ: ٢٥] وَقَوْلُهُ: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ. أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٧-٩].


الصفحة التالية