وَقُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، وَإِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ.
﴿وَالَّذِي نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ أَيْ: بِحَسَبِ الْكِفَايَةِ لِزُرُوعِكُمْ (١) وَثِمَارِكُمْ وَشُرْبِكُمْ، لِأَنْفُسِكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ أَيْ: أَرْضًا مَيْتَةً، فَلَمَّا جَاءَهَا الْمَاءُ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.
ثُمَّ نَبَّهَ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَجْسَادِ يَوْمَ الْمَعَادِ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَقَالَ: ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ أَيْ: مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ سَائِرِ الْأَصْنَافِ، مِنْ نَبَاتٍ وَزُرُوعٍ وَثِمَارٍ وَأَزَاهِيرَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ [أَيْ] (٢) مِنَ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا وَأَصْنَافِهَا، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ﴾ أَيِ: السُّفُنِ ﴿وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ أَيْ: ذَلَّلَهَا لَكُمْ وَسَخَّرَهَا وَيَسَّرَهَا لِأَكْلِكُمْ لُحُومَهَا، وَشُرْبِكُمْ أَلْبَانَهَا وَرُكُوبِكُمْ ظُهُورَهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ﴾ (٣) أَيْ: لِتَسْتَوُوا (٤) مُتَمَكِّنِينَ مُرْتَفِقِينَ ﴿عَلَى ظُهُورِهِ﴾ أَيْ: عَلَى ظُهُورِ هَذَا الْجِنْسِ، ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾ أَيْ: فِيمَا سَخَّرَ لَكُمْ ﴿إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ أَيْ: مُقَاوِمِينَ. وَلَوْلَا تَسْخِيرُ (٥) اللَّهِ لَنَا هَذَا مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (٦)، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ: ﴿مُقْرِنِينَ﴾ أَيْ: مُطِيقِينَ. (٧)
﴿وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ أَيْ: لَصَائِرُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ مَمَاتِنَا، وَإِلَيْهِ سَيْرُنَا الْأَكْبَرُ. وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِسَيْرِ الدُّنْيَا عَلَى سَيْرِ الْآخِرَةِ، كَمَا نَبَّهَ بِالزَّادِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى [الزَّادِ] (٨) الْأُخْرَوِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٩٧] وَبِاللِّبَاسِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْأُخْرَوِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ] ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٢٦].
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ:
حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أُتِيَ (٩) بِدَابَّةٍ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكاب قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ. فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا، وَكَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي. ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْ شَيْءٍ ضَحِكْتَ (١٠) يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ (١١)، ثُمَّ ضَحِكَ. فَقُلْتُ: مِمَّ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "يَعْجَبُ الرَّبُّ (١٢) مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي. وَيَقُولُ: عَلِمَ عَبْدِي أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي".

(١) في ت، م: "لزرعكم".
(٢) زيادة من ت.
(٣) في ت: "ظهره".
(٤) في أ: "لتستقروا".
(٥) في م: "ولولا ما يسخر".
(٦) في أ: "عياض".
(٧) في أ: "مطيعين".
(٨) زيادة من ت، م، أ.
(٩) في ت: "أنه أتى".
(١٠) في ت، م: "مم ضحكت".
(١١) في ت، م، أ: "فعل مثل ما فعلت".
(١٢) في ت، م: "الرب عز وجل".


الصفحة التالية
Icon