عَنْهُ: ﴿الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ﴾ قَالَ: خَلِيلَانِ مُؤْمِنَانِ، وَخَلِيلَانِ كَافِرَانِ، فَتُوُفِّيَ أَحَدُ الْمُؤْمِنَيْنِ وَبُشِّرَ بِالْجَنَّةِ فَذَكَرَ خَلِيلَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، إِنْ فُلَانًا خَلِيلِي كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ، وَيُنْبِئُنِي أَنِّي مُلَاقِيكَ، اللَّهُمَّ فَلَا تُضِلَّهُ بَعْدِي حَتَّى تُرِيَهُ مِثْلَ مَا أَرَيْتَنِي، وَتَرْضَى عَنْهُ كَمَا رَضِيتَ عَنِّي. فَيُقَالُ لَهُ: اذْهَبْ فَلَوْ تَعْلَمُ مَا لَهُ عِنْدِي لَضَحِكْتَ كَثِيرًا وَبَكَيْتَ قَلِيلًا. قَالَ: ثُمَّ يَمُوتُ الْآخَرُ، فَتَجْتَمِعُ أَرْوَاحُهُمَا، فَيُقَالُ: لِيُثْنِ أَحَدُكُمَا (١) عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: نِعْمَ الْأَخُ، وَنِعْمَ الصَّاحِبُ، وَنِعْمَ الْخَلِيلُ. وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْكَافِرَيْنِ، وَبُشِّرَ بِالنَّارِ ذَكَرَ خَلِيلَهُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ خَلِيلِي فُلَانًا كَانَ يَأْمُرُنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلَاقِيكَ، اللَّهُمَّ فَلَا تَهْدِهِ بَعْدِي حَتَّى تُرِيَهُ مِثْلَ مَا أَرَيْتَنِي، وَتَسْخَطَ عَلَيْهِ كَمَا (٢) سَخِطْتَ عَلَيَّ. قَالَ: فَيَمُوتُ الْكَافِرُ الْآخَرُ، فَيُجْمَعُ بَيْنَ أَرْوَاحِهِمَا فَيُقَالُ: لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. فَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: بِئْسَ الْأَخُ، وَبِئْسَ الصَّاحِبُ، وَبِئْسَ الْخَلِيلُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (٣).
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: صَارَتْ كُلُّ خِلَّةٍ عَدَاوَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ -فِي تَرْجَمَةِ هِشَامِ بْنِ أَحْمَدَ-عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْخَضِرِ بِالرِّقَّةِ، عَنْ مُعَافًى: حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، أَحَدُهُمَا بِالْمُشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ، لَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَحْبَبْتَهُ فِيَّ" (٤).
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ ثُمَّ بَشَّرَهُمْ.
فَقَالَ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾ أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَبَوَاطِنُهُمْ، وَانْقَادَتْ لِشَرْعِ اللَّهِ جَوَارِحُهُمْ وَظَوَاهِرُهُمْ.
قَالَ الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ النَّاسَ حِينَ يُبْعَثُونَ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ إلا فزع، فينادي مناد: ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ فَيَرْجُوهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ، قَالَ: فيتبعُها: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾، قَالَ: فَيَيْأَسُ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ. ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ﴿أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ أَيْ: نُظَرَاؤُكُمْ ﴿تُحْبَرُونَ﴾ أَيْ: تَنْعَمُونَ وَتَسْعَدُونَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ الرُّومِ.
﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ﴾ أَيْ: زَبَادِيِّ آنِيَةِ الطَّعَامِ، ﴿وَأَكْوَابٍ﴾ وَهِيَ: آنِيَةُ الشَّرَابِ، أَيْ: مِنْ ذَهَبٍ لَا خَرَاطِيمَ لَهَا وَلَا عُرَى، ﴿وَفِيهَا مَا تَشْهِي الأنْفُسُ﴾ -وَقَرَأَ بعضهم: "تشتهيه

(١) في أ: "أحدهما".
(٢) في ت: "مثل ما".
(٣) تفسير عبد الرزاق (٢/١٦٤).
(٤) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (٢٧/٧٩).


الصفحة التالية
Icon