وتُبَّع هَذَا هُوَ تُبَّع الْأَوْسَطُ، وَاسْمُهُ أَسْعَدُ أَبُو (١) كُرَيْب بْنُ مَلْكيكرب (٢) الْيَمَانِيُّ ذَكَرُوا أَنَّهُ مَلَكَ عَلَى قَوْمِهِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَسِتًّا (٣) وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ فِي حِمْيَرَ أَطْوَلُ مُدَّةً مِنْهُ، وَتُوُفِّيَ قَبْلَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مِنْ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ الْحَبْرَانِ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ أَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ مُهَاجَرُ نَبِيٍّ آخِرٍ فِي الزَّمَانِ (٤)، اسْمُهُ أَحْمَدُ، قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا وَاسْتَوْدَعَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَهُ وَيَرْوُونَهُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ. وَكَانَ مِمَّنْ يَحْفَظُهُ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الَّذِي نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارِهِ، وَهُوَ:
شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أنَّه... رَسُولٌ مِنَ اللهِ بَاري النَّسَمْ...
فَلَو مُدَّ عُمْري إِلَى عُمْرِهِ... لَكُنْت وَزيرا لَهُ وَابْنَ عَمْ...
وَجَاهَدْتُ بالسَّيفِ أعْدَاءَهُ... وَفرَّجتُ عَنْ صَدْرِه كُلَّ غَمْ...
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّهُ حُفِر قَبْرٌ بِصَنْعَاءَ فِي الْإِسْلَامِ، فَوَجَدُوا فِيهِ امْرَأَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ، وَعِنْدَ رُءُوسِهِمَا لَوْحٌ مِنْ فِضَّةٍ مَكْتُوبٌ فِيهِ بِالذَّهَبِ: "هَذَا قَبْرُ حُبَّى وَلَمِيسَ -وَرُوِيَ: حُبَّى وَتُمَاضِرَ-ابْنَتَيْ تُبَّع مَاتَتَا، وَهُمَا تَشْهَدَانِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا تُشْرِكَانِ بِهِ شَيْئًا، وَعَلَى ذَلِكَ مَاتَ الصَّالِحُونَ قَبْلَهُمَا.
وَقَدْ ذَكَرَنَا فِي "سُورَةِ سَبَأٍ" شِعْرَ سَبَأٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ فِي تُبَّعٍ: نُعِت نَعْت الرَّجُلِ الصَّالِحِ، ذَمَّ اللَّهَ تَعَالَى قَوْمُهُ وَلَمْ يَذُمَّهُ، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن لَهِيعَة عَنْ أَبِي زُرْعَة -يَعْنِي عَمْرَو بْنَ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيَّ-قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ".
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ لَهِيعة، بِهِ (٥).
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَزَّة، حدثنا مؤمل ابن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سمَاك بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ" (٦).
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المقْبُري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَدْرِي، تُبَّع نَبِيًّا كَانَ أَمْ غير نبي" (٧).
(٢) في م: "مليكرب".
(٣) في ت، م، أ: "وستة".
(٤) في ت، م، أ: "نبي في آخر الزمان".
(٥) المسند (٥/٣٤٠) قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف: "فيه ابن لهيعة، وعمرو بن جابر، وهما ضعيفان".
(٦) المعجم الكبير (١١/٢٩٦) وقال الهيثمي في المجمع (٨/٧٦٩: "فيه أحمد بن أبي بزة المكي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
(٧) ورواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي (٣/٢٧٠) من طريق عبد الرزاق بهذا اللفظ.