أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَع؟ فَيَقُولُ: بَلَى، يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقيّ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي" (١).
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ أَيْ: إِنَّمَا جَازَيْنَاكُمْ هَذَا الْجَزَاءَ لِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ سُخْرِيًّا، تَسْخَرُونَ وَتَسْتَهْزِئُونَ بِهَا، ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أَيْ: خَدَعَتْكُمْ فَاطْمَأْنَنْتُمْ إِلَيْهَا، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا﴾ أَيْ: مِنَ النَّارِ ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أَيْ: لَا يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعُتْبَى، بَلْ يُعَذَّبُونَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عِتَابٍ، كَمَا تَدْخُلُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ وَلَا حِسَابٍ.
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ قَالَ: ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السمواتِ وَرَبِّ الأرْضِ﴾ أَيِ: الْمَالِكِ لَهُمَا وَمَا فِيهِمَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السمواتِ وَالأرْضِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي السُّلْطَانَ. أَيْ: هُوَ الْعَظِيمُ الْمُمَجَّدُ، الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ خَاضِعٌ لَدَيْهِ فَقِيرٌ إِلَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى (٢) الْعَظَمَةُ إِزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَسْكَنْتُهُ نَارِي". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ (٣).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ أَيِ: الَّذِي لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ، ﴿الْحَكِيمُ﴾ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ (٤).
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ [وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ] (٥)

(١) صحيح مسلم برقم (٢٩٦٨) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(٢) في ت: "أن الله تعالى يقول".
(٣) صحيح مسلم برقم (٢٦٢٠).
(٤) في أ: "لا إله غيره ولا رب سواه".
(٥) زيادة من ت، م، أ.


الصفحة التالية
Icon