فَيُسْتَأْصَلُونَ بِكُفْرِهِمْ (١) ؟ فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ -وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ-أَخْبَرَتْهُ -وَكَانَتْ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَتْ: طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ عثمانُ بْنُ مَظْعُونٍ. فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا فَمرَّضناه، حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ أدْرَجناه فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ، لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ " فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ (٢) الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ، وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي! " قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا. وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ (٣) عَمَلُهُ".
فَقَدِ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ (٤)، وَفِي لَفْظٍ لَهُ: "مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ" (٥). وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَحْفُوظُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهَا: "فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ". وَفِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِمُعَيَّنٍ بِالْجَنَّةِ إِلَّا الَّذِي (٦) نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى تَعْيِينِهِمْ، كَالْعَشَرَةِ، وَابْنِ سَلَامٍ، والغُميصاء، وَبِلَالٍ، وَسُرَاقَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَالِدِ (٧) جَابِرٍ، وَالْقُرَّاءِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرٍ، وَابْنِ رَوَاحَةَ، وَمَا أَشْبَهَ هَؤُلَاءِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ أَيْ: إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُنَزِّلُهُ اللَّهُ عليَّ مِنَ الْوَحْيِ، ﴿وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أَيْ: بَيِّنُ النّذَارة، وَأَمْرِي (٨) ظَاهِرٌ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ.
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْكَافِرِينَ بِالْقُرْآنِ: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ﴾ هَذَا الْقُرْآنُ ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ﴾ أَيْ: مَا ظَنُّكُمْ أَنَّ اللَّهَ صَانِعٌ بِكُمْ إِنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ قد أنزله

(١) في ت، أ: "كغيرهم".
(٢) في أ: "جاءه والله".
(٣) في ت: "ذلك".
(٤) المسند (٦/٤٣٦) وصحيح البخاري برقم (١٢٤٣).
(٥) صحيح البخاري برقم (٢٦٨٧).
(٦) في أ: "الذين".
(٧) في ت: "أبو".
(٨) في أ: "أرى".


الصفحة التالية
Icon