وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا رَجُلٌ سَمَّاهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ﴾ الْآيَةَ، قَالَ: كَانُوا سَبْعَةَ نَفَرٍ، ثَلَاثَةً مِنْ أَهْلِ حَرَّانَ، وَأَرْبَعَةً مِنْ أَهْلِ نَصِيبِينَ، وَكَانَتْ أَسْمَاؤُهُمْ حَيَى وَحَسَى وَمَسَى، وَشَاصَرَ وَنَاصَرَ، وَالْأَرَدَ وَإِبْيَانَ وَالْأَحْقَمَ.
وَذَكَرَ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنَ الْجِنِّ كَانَ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو الشَّيْصِبَانِ، وَكَانُوا أَكْثَرَ الْجِنِّ عَدَدًا وَأَشْرَفَهُمْ نَسَبًا، وَهُمْ كَانُوا عَامَّةَ جُنُودِ إِبْلِيسَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ ذَرّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانُوا تِسْعَةً، أَحَدُهُمْ زَوْبَعَةُ، أَتَوْهُ مِنْ أَصْلِ نَخْلَةَ.
وَتَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى سِتِّينَ رَاحِلَةً، وَتَقَدَّمَ عَنْهُ أَنَّ اسْمَ سَيِّدِهِمْ وَرْدَانُ، وَقِيلَ: كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ، وَتَقَدَّمَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَعَلَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرِ وِفَادَتِهِمْ عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ (١) الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عُمَرُ -هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ-أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ: "إِنِّي لَأَظُنُّهُ كَذَا" إِلَّا كَانَ كَمَا يَظُنُّ، بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ، فَقَالَ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي -أَوْ: إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ-أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ-عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَدُعِيَ لَهُ (٢)، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ لَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ. قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي. قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِيَّتُك. قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ، فَقَالَتْ:
أَلَمْ تَرْ الجِنَّ وإبْلاسَهَا... ويَأسَها مِنْ بَعْدِ إنْكَاسِها...
ولُحوقَها بِالْقِلَاصِ وَأَحْلاسها
قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ، لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحُ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رَجُلٌ فَصِيحٌ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَوَثَبَ (٣) الْقَوْمُ، فَقُلْتُ: لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا؟ ثُمَّ نَادَى يَا جَلِيحُ، أَمْرٌ نَجِيحٌ، رَجُلٌ فَصِيحٌ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ". فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ.
هَذَا سِيَاقُ الْبُخَارِيِّ (٤)، وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ، بِنَحْوِهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُوهِمُ أَنَّ عُمَرَ بِنَفْسِهِ سَمِعَ الصَّارِخَ يَصْرُخُ مِنَ الْعِجْلِ الَّذِي ذُبِحَ، وَكَذَلِكَ هُوَ صَرِيحٌ (٥) فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ عُمَرَ فِي إِسْلَامِهِ، وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْكَاهِنَ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ بذلك عن

(١) في م: "ما رواه".
(٢) في ت، م، أ: "فدعى فجيء به له".
(٣) في م، أ: "قال: فوثب".
(٤) صحيح البخاري برقم (٣٨٦٦).
(٥) في ت، م، أ: "صريحا" وهو خطأ.


الصفحة التالية
Icon