قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُهُ تَكَرَّرَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ، وَقَعَ فِي قَلْبِي حُبُّ الْإِسْلَامِ مِنْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَحْلِي فَشَدَدْتُهُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَمَا حَلَلْتُ [عَلَيْهِ] (١) نَسْعَةً وَلَا عَقَدْتُ أُخْرَى حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ بِالْمَدِينَةِ -يَعْنِي مَكَّةَ-وَالنَّاسُ عَلَيْهِ كَعُرْفِ الْفَرَسِ، فَلَمَّا رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَرْحَبًا بِكَ يَا سَوَادُ بْنَ قَارِبٍ، قَدْ عَلِمْنَا مَا جَاءَ بِكَ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قُلْتُ شِعْرًا، فَاسْمَعْهُ مِنِّي. قَالَ سَوَادٌ: فَقُلْتُ:
أتَانِي رئيَّ بَعْدَ لُيَلٍ وهَجْعةٍ... وَلم يَكُ فِيمَا قَدْ بَلوَتُ بكَاذبِ...
ثَلاثٍ لَيَال قَولُه كُلَّ لَيْلَة:... أَتَاكَ رَسُولٌ (٢) مِنْ لُؤيّ بْنِ غَالبِ...
فَشَمَّرتُ عَنْ سَاقي الإزَارَ وَوَسَّطَتْ... بِيَ الدَّعلب الوَجْنَاءُ عِنْدَ السَّبَاسبِ...
فَأشْهَدُ أَنَّ اللهَ لَا شَيء غَيْرهُ... وَأَنّكَ مَأْمُونٌ عَلَى كُِّل غَائبِ...
وأَنَّك أَدْنَى المُرْسَلِينَ شَفَاعَة... إِلَى اللهِ يَا ابنَ الأكرَمينَ الأطايبِ...
فَمُرنَا بمَا يَأتِيكَ يَا خَيرَ مُرْسل (٣) وإنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيبُ الذّوَائبِ...
وَكُنْ لِي شَفِيعا يَومَ لَا ذُو شَفَاعةٍ... سِوَاك بِمغْنٍ عَنْ سَوَاد بْنِ قَاربِ...
قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، وَقَالَ لِي: "أَفْلَحْتَ يَا سَوَادُ": فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَلْ يَأْتِيكَ رِئِيُّكَ الْآنَ؟ فَقَالَ: مُنْذُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ لَمْ يَأْتِنِي، وَنِعْمَ الْعِوَضُ كِتَابُ اللَّهِ مِنَ الْجِنِّ (٤).
ثُمَّ أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ (٥). وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وِفَادَتِهِمْ إِلَيْهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (٦)، بَعْدَ مَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" [فَقَالَ] (٧) :
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدَةَ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَة الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي مَنْ حَدَّثَهُ عَمْرُو بْنُ غَيْلَانَ الثَّقَفِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقُلْتُ لَهُ: حُدِّثْتُ أَنَّكَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ وَفْدِ الْجِنِّ؟ قَالَ: أَجَلْ قُلْتُ: حَدِّثْنِي كَيْفَ كَانَ شَأْنُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الصُّفَّةِ أَخَذَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلٌ (٨) يُعَشِّيهِ، وَتُرِكْتُ فَلَمْ يَأْخُذْنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "مَنْ هَذَا؟ " فَقُلْتُ: أَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ. فَقَالَ: "مَا أَخَذَكَ أَحَدٌ يُعَشِّيكَ؟ " فَقُلْتُ: لَا. قَالَ: "فَانْطَلِقْ لَعَلِّي أَجِدُ لَكَ شَيْئًا". قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى حُجْرَةَ أَمِّ سَلَمَةَ فَتَرَكَنِي (٩) وَدَخَلَ إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ خَرَجَتِ الْجَارِيَةُ فَقَالَتْ: يَا ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجِدْ لَكَ عَشَاءً، فَارْجِعْ إِلَى مَضْجَعِكَ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَمَعْتُ حَصْبَاءَ الْمَسْجِدِ فَتَوَسَّدْتُهُ، وَالْتَفَفْتُ بِثَوْبِي، فَلَمْ أَلْبَثْ إلا قليلا حتى جاءت الجارية، فقالت:
(٢) في ت، م: "نبي".
(٣) في ت: "من مشى".
(٤) دلائل النبوة للبيهقي (١/٢٤٨).
(٥) دلائل النبوة للبيهقي (١/٢٥٢).
(٦) في أ: "على الإسلام".
(٧) زيادة من أ.
(٨) في ت، أ: "رجلا" وهو خطأ.
(٩) في أ: "فتركني قائما".