الْجَنَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ (١)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (٢) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَغْفِرَ لِنِصْفِ أُمَّتِي، وَبَيْنَ أَنْ أَخْتَبِئَ شَفَاعَتِي، فَاخْتَبَأْتُ شَفَاعَتِيَ، وَرَجَوْتُ أَنْ تُكَفِّرَ الجَمْ (٣) لِأُمَّتِي، وَلَوْلَا الَّذِي سَبَقَنِي إِلَيْهِ الْعَبْدُ الصَّالِحُ لَتَعَجَّلْتُ فِيهَا دَعْوَتِي، إِنِ اللَّهَ لَمَا فَرَّجَ عَنْ إِسْحَاقَ كرْبَ الذَّبْحِ قِيلَ لَهُ: يَا إِسْحَاقُ، سَلْ تُعْطَهُ. فَقَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَتَعَجَّلَنَّهَا قَبْلَ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، اللَّهُمَّ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئًا فَاغْفِرْ لَهُ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ".
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ (٤). وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ مُدْرَجَة، وَهِيَ قَوْلُهُ: "إِنِ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا فَرَّجَ عَنْ إِسْحَاقَ" إِلَى آخِرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَالْأَشْبَهُ أَنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ "إِسْمَاعِيلَ"، وَإِنَّمَا حَرَّفُوهُ بِإِسْحَاقَ؛ حَسَدًا مِنْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا فَالْمَنَاسِكُ وَالذَّبَائِحُ إِنَّمَا مَحِلُّهَا بِمِنَى مِنْ أَرْضِ مَكَّةَ، حَيْثُ كَانَ إِسْمَاعِيلُ لَا إِسْحَاقُ [عَلَيْهِمَا السَّلَامُ] (٥)، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ بِبِلَادِ كَنْعَانَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾ أَيْ: قَدْ حَصَلَ المقصودُ مِنْ رُؤْيَاكَ بِإِضْجَاعِكَ وَلَدَكَ لِلذَّبْحِ
وَذَكَرَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ أمَرّ السِّكِّينَ عَلَى رَقَبَتِهِ فَلَمْ تَقْطَعْ شَيْئًا، بَلْ حَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ صَفِيحَةٌ مِنْ نُحَاسٍ وَنُودِيَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا﴾
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيْ: هَكَذَا نَصْرِفُ عَمَّنْ أَطَاعَنَا الْمَكَارِهَ وَالشَّدَائِدَ، وَنَجْعَلُ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ [الطَّلَاقِ: ٢، ٣].
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَالْقِصَّةِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ عَلَى صِحَّةِ النَّسْخِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ، خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالدَّلَالَةُ مِنْ هَذِهِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ لِإِبْرَاهِيمَ ذَبْحَ وَلَدِهِ، ثُمَّ نَسَخَهُ عَنْهُ وَصَرَفَهُ إِلَى الْفِدَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِهِ أَوَّلًا إِثَابَةَ الْخَلِيلِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ وَعَزْمِهِ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ﴾ أَيِ: الِاخْتِبَارُ الْوَاضِحُ الْجَلِيُّ؛ حَيْثُ أُمِرَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، فَسَارَعَ إِلَى ذَلِكَ مُسْتَسْلِمًا لِأَمْرِ اللَّهِ، مُنْقَادًا لِطَاعَتِهِ؛ وَلِهَذَا قال تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ [النجم: ٣٧].

(١) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
(٢) زيادة من ت.
(٣) في أ: "أن تكون أعم".
(٤) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٦٠٣) وابن عدي في الكامل (٤/٢٧٢) مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ به، وذكره ابن أبي حاتم في العلل (٢/٢١٩) وقال: "سألت أبي، فقال: هذا حديث منكر".
(٥) زيادة من أ.


الصفحة التالية
Icon