وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ [التَّوْبَةِ: ٨٣].
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي "بَرَاءَةَ" نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ غَزْوَةِ (١) الْحُدَيْبِيَةِ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: بِتَثْبِيطِهِمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْجِهَادِ.
﴿قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: وَعَدَ اللَّهُ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ سُؤَالِكُمُ (٢) الْخُرُوجَ مَعَهُمْ، ﴿فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا﴾ أَيْ: أَنْ نُشْرِكَكُمْ فِي الْمَغَانِمِ، ﴿بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا﴾ أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا، وَلَكِنْ لَا فَهْمَ لهم (٣).
(٢) في ت، م: "قبل أن يسألوكم".
(٣) في ت، أ: "لأنهم عدو لهم".
﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦) لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (١٧) ﴾
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَيْهِمْ، الَّذِينَ هُمْ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ، عَلَى أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ هَوَازِنُ. رَوَاهُ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْر، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -أَوْ عِكْرِمَةَ (١)، أَوْ جَمِيعًا-وَرَوَاهُ هُشيم عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْهُمَا. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
الثاني: ثقف، قَالَهُ الضَّحَّاكُ.
الثَّالِثُ: بَنُو حَنِيفَةَ، قَالَهُ جُوَيْبِرٌ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ سَعِيدٍ وَعِكْرِمَةَ.
الرَّابِعُ: هُمْ أَهْلُ فَارِسَ. رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ يَقُولُ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ -فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: هُمُ الرُّومُ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ: هُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: هُمْ رِجَالٌ أُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ فِرْقَةً. وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَوَارِيرِيُّ، عَنْ مَعْمَر (٢)، عن
(٢) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".