الْزَمْ غَرْزَهُ حَيْثُ كَانَ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ. [ثُمَّ] (١) قَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ. ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: "بَلَى" قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطَى الذِّلَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ: "أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ وَلَنْ يُضَيِّعَنِي". ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: مَا زِلْتُ أَصُومُ وَأُصَلِّي وَأَتَصَدَّقُ وَأُعْتِقُ مِنَ (٢) الَّذِي صَنَعْتُ مَخَافَةَ كَلَامِي الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ يَوْمَئِذٍ حَتَّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا. قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (٣) فَقَالَ: اكْتُبْ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ". فَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو: وَلَا أَعْرِفُ هَذَا، وَلَكِنِ اكْتُبْ: "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ رَسُولُ الله: "اكتب باسمك اللهم. هذا ما صلح (٤) عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، سَهْلَ بْنَ عَمْرٍو"، فَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو: وَلَوْ شَهِدْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أُقَاتِلْكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَهْلُ بْنُ عَمْرٍو، عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، عَلَى أَنَّهُ مَنْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ (٥) مِنْ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَى قُرَيْشًا مِمَّنْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٦) لَمْ يَرُدُّوهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وَأَنَّهُ لَا إِسُلَالَ وَلَا إِغْلَالَ، وَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ حِينَ كَتَبُوا الْكِتَابَ: أَنَّهُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ، دَخَلَ فِيهِ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَعَهْدِهِ، وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا: نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَأَنَّكَ تَرْجِعُ عَنَّا عَامَنَا هَذَا فَلَا تَدْخُلُ عَلَيْنَا مَكَّةَ، وَأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ خَرَجْنَا عَنْكَ فَتَدْخُلُهَا بِأَصْحَابِكَ، وَأَقَمْتَ بِهَا ثَلَاثًا مَعَكَ سِلَاحُ الرَّاكِبِ لَا تَدْخُلُهَا بِغَيْرِ السُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ، إِذَا جَاءَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْحَدِيدِ قَدِ انْفَلَتَ إلى رسول الله ﷺ (٧) قَالَ: وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ خَرَجُوا وَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي الْفَتْحِ، لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنَ الصُّلْحِ وَالرُّجُوعِ، وَمَا تَحَمَّلَ رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (٨) عَلَى نَفْسِهِ، دَخَلَ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، حَتَّى كَادُوا أَنْ يَهْلَكُوا. فَلَمَّا رَأَى سَهْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ قَامَ إِلَيْهِ فَضَرَبَ وَجْهَهُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ لَجَّتِ (٩) الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا. قَالَ: "صَدَقْتَ". فَقَامَ إِلَيْهِ فَأَخَذَ بِتَلَابِيبِهِ. قَالَ: وَصَرَخَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَتَرُدُّونَنِي إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ فَيَفْتِنُونِي فِي دِينِي؟ قَالَ: فَزَادَ النَّاسَ شَرًّا إِلَى مَا بِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا أَبَا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا (١٠)، وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ". قَالَ: فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَجَعَلَ يَمْشِي مَعَ [أَبِي] (١١) جَنْدَلٍ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ، فَإِنَّمَا هُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ، قَالَ: وَيُدْنِي قَائِمَ السَّيْفِ مِنْهُ، قَالَ: يَقُولُ: رَجَوْتُ أَنْ يَأْخُذَ السَّيْفَ فَيَضْرِبَ بِهِ أَبَاهُ قَالَ: فَضَنَّ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ. قَالَ: وَنَفَذَتِ الْقَضِيَّةُ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنَ الْكِتَابِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِي الْحَلِّ، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، انْحَرُوا (١٢) وَاحْلِقُوا". قَالَ: فَمَا قَامَ أَحَدٌ. قَالَ: ثُمَّ عَادَ بِمِثْلِهَا، فَمَا قَامَ رَجُلٌ حَتَّى عَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهَا، فَمَا قَامَ رَجُلٌ.
فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ " قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ دَخَلَهُمْ مَا رَأَيْتَ، فَلَا تُكَلِّمن (١٣) مِنْهُمْ إِنْسَانًا، وَاعْمِدْ إِلَى هَدْيِكَ حَيْثُ كَانَ فَانْحَرْهُ وَاحْلِقْ، فَلَوْ قَدْ فَعَلْتَ ذَلِكَ فَعَلَ النَّاسُ ذَلِكَ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا حَتَّى أَتَى هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ، ثُمَّ جَلَسَ فَحَلَقَ، قَالَ: فَقَامَ النَّاسُ يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ. قَالَ: حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ.
هَكَذَا سَاقَهُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَهَكَذَا رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر وَزِيَادٌ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، بِنَحْوِهِ (١٤)، وَفِيهِ إِغْرَابٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ الزُّهْرِيِّ، بِهِ نَحْوَهُ (١٥) وَخَالَفَهُ فِي أَشْيَاءَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي صَحِيحِهِ، فَسَاقَهُ سِيَاقَةً (١٦) حَسَنَةً مُطَوَّلَةً بِزِيَادَاتٍ جَيِّدَةٍ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ (١٧) مِنْ صَحِيحِهِ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُرْوة بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مُخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ، قَالَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خزاعة، وسار حتى إذا كان بغير الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ، فَقَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ وَمَانِعُوكَ. فَقَالَ: "أَشِيرُوا أَيُّهَا الناس عليّ، أترون أن نميل عل عِيَالِهِمْ، وَذَرَارِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ صَدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ؟ " وَفِي لَفْظٍ: "أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ عَلَى ذَرَارِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ. فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ قَدْ قَطَعَ عُنُقا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْزُونِينَ"، وَفِي لَفْظٍ: "فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَجْهُودِينَ محرُوبين وَإِنْ نَجَوْا يَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ؟ ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] (١٨) : يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ، لَا نُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبًا، فَتَوَجَّهْ لَهُ، فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ. وَفِي لَفْظٍ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ عِلِمَ إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَلَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَرُوحُوا إِذَنْ"، وَفِي لَفْظٍ: "فَامْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ".
حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ في خيل لقريش طليعة،
(٢) في ت: "عن".
(٣) زيادة من ت.
(٤) في أ: "ما صالح".
(٥) في أ: "محمدا".
(٦) زيادة من ت.
(٧) زيادة من ت.
(٨) زيادة من ت، أ.
(٩) في ت، أ: "تمت".
(١٠) في ت، م، أ: "عهدنا".
(١١) زيادة من ت، م، أ.
(١٢) في ت، أ: "انحروا في الحرم".
(١٣) في ت، أ: "فلا تكلمن".
(١٤) المسند (٤/٣٢٣) والسيرة النبوية لابن هشام (٢/٣١٦).
(١٥) رواه أحمد في مسنده (٤/٣٢٨) من طريق عبد الرزاق به.
(١٦) في م: "بسياقات".
(١٧) في ت، م: "الشرط".
(١٨) زيادة من أ.