ثُمَّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ (١) الدَّارِمِيِّ، عَنْ حَيَّان بْنِ هِلَالٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، بِهِ، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ. وَعَنْ قَطَنِ بْنِ نُسَير عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ (٢)، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ.
حَدَّثَنَا هُرَيم (٣) بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَزَادَ: فَكُنَّا نَرَاهُ يَمْشِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا رَجلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. (٤).
فَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثُ مُعَلّلة لِرِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ حَالَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ مَاتَ بَعْدَ بَنِي قُرَيْظَةَ بِأَيَّامٍ قَلَائِلَ سَنَةَ خَمْسٍ، وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ، وَالْوُفُودُ إِنَّمَا تَوَاتَرُوا فِي سَنَةِ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَاب، حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شمَّاس، حَدَّثَنِي عَمِّي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ قَالَ: قَعَدَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ (٥) فِي الطَّرِيقِ يَبْكِي، قَالَ: فَمَرَّ بِهِ عَاصِمُ بْنُ عِدِيٍّ مِنْ بَنِي العَجلان، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا ثَابِتُ؟ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ، أَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فيَّ وَأَنَا صَيِّتٌ، رَفِيعُ الصَّوْتِ. قَالَ: فَمَضَى عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ إلى رسول الله ﷺ قَالَ: وَغَلَبَهُ الْبُكَاءُ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ جَمِيلَةَ ابْنَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ فَقَالَ لَهَا: إِذَا دخلتُ بَيْتَ فَرَسي فَشُدِّي عَلَيّ الضبَّة بِمِسْمَارٍ فَضَرَبَتْهُ بِمِسْمَارٍ حَتَّى إِذَا خَرَجَ عَطَفَهُ، وَقَالَ: لَا أَخْرُجُ حَتَّى يَتَوَفَّانِي اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ يَرْضَى عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: وَأَتَى عَاصِمٌ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، فَقَالَ: "اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي". فَجَاءَ عَاصِمُ إِلَى الْمَكَانِ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَهُ فِي بَيْتِ الفَرَس، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوكَ. فَقَالَ: اكْسِرِ الضَّبَّةَ. قَالَ: فَخَرَجَا فَأَتَيَا (٦) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يُبْكِيكَ يَا ثَابِتُ؟ ". فَقَالَ: أَنَا صَيِّتٌ وَأَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِيَّ: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيش حَميدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ ". فَقَالَ: رَضِيتُ بِبُشْرَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَرْفَعُ صَوْتِي أَبَدًا عَلَى صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ (٧). (٨)
وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ كَذَلِكَ، فَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، عن رفع الأصوات

(١) في أ: "سعد".
(٢) في م: "مسلم".
(٣) في م: "هدبة".
(٤) صحيح مسلم برقم (١١٩).
(٥) في أ: "ثابت بن قيس بن شماس".
(٦) في أ: "حتى أتيا".
(٧) في أ: بعدها: " لهم مغفرة وأجر عظيم " بدل "الآية".
(٨) تفسير الطبري (٢٦/٧٥).


الصفحة التالية
Icon