وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الكُمَّل ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ أَيْ: لَمْ يَشُكُّوا وَلَا تَزَلْزَلُوا، بَلْ ثَبَتُوا (١) عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ التَّصْدِيقُ الْمَحْضُ، ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَيْ: وَبَذَلُوا مُهَجَهُمْ (٢) وَنَفَائِسَ أَمْوَالِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ، ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ أَيْ: فِي قَوْلِهِمْ إِذَا قَالُوا: "إِنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ"، لَا كَبَعْضِ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ الدِّينِ إِلَّا الْكَلِمَةَ الظَّاهِرَةَ.
وَقَالَ (٣) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا رِشْدين، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي السَّمْحِ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (٤) قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُؤْمِنُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَجْزَاءٍ: [الَّذِينَ] (٥) آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ" (٦).
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ أَيْ: أَتُخْبِرُونَهُ (٧) بِمَا فِي ضَمَائِرِكُمْ، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ﴾ أي: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ، ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
ثُمَّ قَالَ [تَعَالَى] (٨) :﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾، يَعْنِي: الْأَعْرَابُ [الَّذِينَ] (٩) يُمَنُّونَ بِإِسْلَامِهِمْ وَمُتَابَعَتِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ عَلَى الرَّسُولِ، يَقُولُ اللَّهُ رَدًّا عَلَيْهِمْ: ﴿قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ﴾، فَإِنَّ نَفْعَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَعُودُ عَلَيْكُمْ، وَلِلَّهِ الْمِنَّةُ عَلَيْكُمْ فِيهِ، ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَيْ: فِي دَعْوَاكُمْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ يَوْمَ حُنَيْنٍ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ " كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ (١٠).
وَقَالَ (١١) الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (١٢) قَالَ: جَاءَتْ بَنُو أَسَدٍ إلى رسول الله ﷺ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْلَمْنَا وَقَاتَلَتْكَ الْعَرَبُ، ولم تقاتلك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِقْهَهُمْ قَلِيلٌ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْطِقُ (١٣) عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ". وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
(٢) في ت: "مهجتهم".
(٣) في ت: "وروى".
(٤) في ت: "أبي سعيد رضي الله عنه".
(٥) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٦) المسند (٣/٨) وفي إسناده بن أبي السمح عن أبي الهيثم وهو ضعيف.
(٧) في ت: "أتخبرون".
(٨) زيادة من ت.
(٩) زيادة من ت، أ.
(١٠) رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٣٣٠) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رَضِيَ الله عنه.
(١١) في ت: "وروى".
(١٢) زيادة من ت.
(١٣) في أ: "ينطق".