وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ فِي ذَلِكَ بَيْتًا مِنْ شِعْرِهِ:
فَأَنْبَتَ يَقْطينًا عَلَيه برَحْمَةٍ | مِن اللَّهِ لَولا اللهُ أُلْفِيَ ضَاحيا (١) |
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَنَبَذْنَاهُ﴾ أَيْ: أَلْقَيْنَاهُ ﴿بِالْعَرَاءِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ: وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَيْسَ بِهَا نَبْتٌ وَلَا بِنَاءٌ. قِيلَ: عَلَى جَانِبِ دِجْلَةَ. وَقِيلَ: بِأَرْضِ الْيَمَنِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
﴿وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ أَيْ: ضَعِيفُ الْبَدَنِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَهَيْئَةِ الْفَرْخِ لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَهَيْئَةِ الصَّبِيِّ: (٣) حِينَ يُولَدُ، وَهُوَ الْمَنْفُوسُ. وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ زَيْدٍ أَيْضًا.
﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ قَالَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنُ جُبَيْرٍ، وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وَهِلَالُ بْنُ يَسَاف وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ، وَالسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ (٤) وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا كُلُّهُمْ: الْيَقْطِينُ هُوَ الْقَرْعُ.
وَقَالَ هُشَيم، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير: كُلُّ شَجَرَةٍ لَا سَاقَ لَهَا فَهِيَ مِنَ الْيَقْطِينِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: كُلُّ شَجَرَةٍ تَهْلِك مِنْ (٥) عَامِها فَهِيَ مِنَ الْيَقْطِينِ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْقَرْعِ فَوَائِدَ، مِنْهَا: سُرْعَةُ نَبَاتِهِ، وتظليلُ وَرَقِهِ لِكِبَرِهِ، وَنُعُومَتِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْرَبُهَا الذُّبَابُ، وَجَوْدَةُ أَغْذِيَةِ ثَمَرِهِ، وَأَنَّهُ يُؤْكَلُ نَيِّئًّا وَمَطْبُوخًا بِلُبِّهِ وَقِشْرِهِ أَيْضًا. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبّ الدُّبَّاء، وَيَتَتَبَّعُهُ (٦) مِنْ حَوَاشي الصَّحْفة (٧) (٨).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ رَوَى شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ رِسَالَةُ يُونُسَ بَعْدَ مَا نَبَذَهُ الْحُوتُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو (٩) هِلَالٍ عَنْ شَهْرٍ، بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِدٍ: أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِمَهُ الْحُوتُ.
قُلْتُ: وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَوَّلًا أُمِرَ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْحُوتِ، فَصَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ وَآمَنُوا بِهِ. وَحَكَى الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى أُمَّةٍ أُخْرَى بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْحُوتِ، كَانُوا مِائَةَ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَزِيدُونَ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ-: بَلْ يَزِيدُونَ، وَكَانُوا مِائَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا.
(١) البيت في السيرة النبوية لابن هشام (١/٢٢٨).
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ٨٧.
(٣) في أ: "الصبي يعني".
(٤) في ت: "وابن عباس وغيرهما من التابعين"
(٥) في ت: "في".
(٦) في أ: "ويتبعه".
(٧) في ت: "القصعة".
(٨) رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٤٣٩) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٩) في أ: "ابن".
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ٨٧.
(٣) في أ: "الصبي يعني".
(٤) في ت: "وابن عباس وغيرهما من التابعين"
(٥) في ت: "في".
(٦) في أ: "ويتبعه".
(٧) في ت: "القصعة".
(٨) رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٤٣٩) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٩) في أ: "ابن".