وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ، مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ، بِهِ (١).
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ أَيْ: فَصَلِّ لَهُ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٧٩].
﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ قَالَ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ التَّسْبِيحُ بَعْدَ الصَّلَاةِ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ (٢) العُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟ " قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ! قَالَ: "أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا إِذَا فَعَلْتُمُوهُ سَبَقْتُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُمْ؟ تُسَبِّحُونَ وَتُحَمِّدُونَ وَتُكَبِّرُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ". قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ (٣) بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. قَالَ: "ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" (٤).
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾ هُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَابْنِهِ الْحَسَنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَبِهِ يَقُولُ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِي وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَة، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى أَثَرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَيْنِ (٥) إِلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ (٦). زَادَ النَّسَائِيُّ: وَمُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، بِهِ (٧).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، اللَّتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: "يا ابن عَبَّاسٍ، رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِدْبَارَ النُّجُومِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إِدْبَارَ السُّجُودِ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هِشَامٍ الرِّفَاعِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، بِهِ (٨). وَقَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا

(١) المسند (٤/٣٦٥) وصحيح البخاري برقم (٤٨٥١) وصحيح مسلم برقم (٦٣٣) وسنن أبي داود برقم (٣٧٢٩) وسنن الترمذي برقم (٢٥٥١) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٣٣٠) وسنن ابن ماجه برقم (١١٧).
(٢) في أ: "بالأجور".
(٣) في أ: "الإيمان".
(٤) صحيح البخاري برقم (٦٣٢٩) وصحيح مسلم برقم (٥٩٥).
(٥) في م: "ركعتين مكتوبة".
(٦) المسند (١/١٢٤) وسنن أبي داود برقم (١٢٧٥) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٣٤١).
(٧) النسائي في السنن الكبرى برقم (٣٤٦).
(٨) سنن الترمذي برقم (٣٢٧٥).


الصفحة التالية
Icon